حديث الملك: توازن بين القيادة وحكمة الدولة
في مقابلة موسعة عبر برنامج بانوراما على شبكة BBC، عرض جلالة الملك عبد الله الثاني رؤيته كقائد عربي يتجاوز الأدوات التقليدية لوصف الواقع، ليبرز جوهر الأزمة في المنطقة العربية، مشدداً على أن السلام لم يعد خيارًا دبلوماسيًا قابلًا للتأجيل، بل ضرورة لضمان الأمن والاستقرار للجميع. فقد أكد الملك بوضوح وصدق: لا يمكن تحقيق الأمن في الشرق الأوسط دون إقامة دولة فلسطينية مستقلة تعيد للعرب كرامتهم وتضمن سلام الإسرائيليين، مما يعيد توازن العالم الأخلاقي.
الرؤية الجديدة للسلام
أبرز الملك في حديثه ضرورة تغيير مفهوم السياسة من مجرد مناورات إلى فن المسؤولية، موضحًا أن انعدام أفق الحل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي لن يؤدي إلى إلا المزيد من العنف واليأس. كما حذر من أن غياب العدالة لن يُعوض بالقوة، وأن تجاهل حقوق الفلسطينيين سيؤدي حتمًا إلى تجدد الأزمات عبر الأجيال. ومع ذلك، أعرب الملك عن ثقته بوجود أصوات إسرائيلية تدرك أن الأمن لا يمكن أن يتحقق على حساب الآخرين، بل يتطلب شراكة تحترم الكرامة الإنسانية.
وفي تحليل الملك لمعادلات القوى الإقليمية والدولية، أكد أن دور الولايات المتحدة يبقى محوريًا في أي تسوية سياسية، ولكنه يُصبح غير كافٍ ما لم يُعزز بإرادة عربية موحدة ورؤية متوازنة. وذكر أن المشكلة ليست في فكرة السلام ذاتها، بل في الإرادات التي تكتفي بالكلمات دون افعال، مُشددًا على أن نجاح المفاوضات يتطلب وضوح النوايا والالتزام بالتنفيذ.
لم يقتصر الملك على التشخيص بل قدّم استشرافًا استراتيجيًا عميقًا يعكس تجربته في إدارة التوازنات. أشاد بالحذر الشديد من الانزلاق نحو صراع أوسع إذا استمر نقص الحلول السياسية، محذرًا من أن التفاصيل الصغيرة في أي اتفاق قد تحمل بذور فشله إذا لم تُصغ بحكمة وتُنفذ بمسؤولية، مضيفًا أن “الشيطان يكمن في التفاصيل”، خصوصًا في إدارة قطاع غزة وضمانات الأمن.
تظهر خلال المقابلة رؤية الملك العميقة لدور الأردن كحامٍ للسلام والأمان في بيئة ملتهبة. فالأردن، كما أوضح جلالته، لن يكون مجرد مشاهد، بل سيبقى جزءًا أساسيًا من معادلة السلام، حاميًا للثوابت الوطنية وحافظًا على قنوات الحوار مفتوحة دون التفريط في المبادئ.
في ختام اللقاء، عكس صوت الملك ضمير الأمة ووعياً عميقًا تجاه مسؤولياته، متحدثًا بلغة تعكس ثقة وحرصًا على تحقيق السلام، مؤمناً بأن السلام هو فعل شجاعة وليس دليلاً على الضعف. من خلال هذا الظهور، تجلت رسالة واحدة تؤكد أن الأردن ثابت ومصمم على مواقفه، ومتوازن في رغبته في السلام دون تنازل عن قضيته الأساسية.
قدّم جلالة الملك درسًا في الدبلوماسية، حيث كانت كلماته موزونة ومعبرة، محاطة بحكمة الدولة التي تدرك أن الصوت الهادئ قد يكون أكثر تأثيرًا من الضجيج. ظل الملك مثالاً للقائد الذي يرى أبعد من الجغرافيا، ويعيد صياغة مفهوم القيادة باعتبارها مسؤولية تجاه الإنسان قبل السياسة، مذكرًا الجميع بأن السلام ليس مجرد حلم بل ضرورة حتمية.
تعليقات