اغتيال صفاء الحجازي: نقطة تحول في الصراع على السلطة
في مساء الخامس عشر من تشرين الأول 2025، وقع حدث مأساوي في قضاء الطارمية شمال بغداد، حيث انفجرت عبوة لاصقة استهدفت عضو مجلس محافظة بغداد، صفاء الحجازي، الذي كان مرشحًا للانتخابات. لم تكن هذه الحادثة مجرد جريمة في إطار العنف الانتخابي، بل تعبير عن الأزمة العميقة التي تعيشها الدولة في مناطق الحزام، حيث تتقاطع شبكة المصالح المالية والأمنية والسياسية في نزاع مرير على الأراضي والسلطة.
جريمة تحمل رسالة سياسية
تشير المعلومات الأولية إلى أن الهجوم وقع بعد ساعات قليلة من إصدار قرار من مجلس محافظة بغداد، الذي تبناه الحجازي، بوقف عمليات الاستيلاء على الأراضي في محيط العاصمة. يمثل هذا القرار أول إجراء رسمي لمواجهة ظاهرة “الاستملاك القسري”، حيث تتعرض الأرض الزراعية للبسط والنهب، وتقدر قيمتها بمليارات الدنانير. أزمة الاستقرار الأمني في هذه المناطق تجعلها عرضة للتلاعب من قبل جهات تمتلك نفوذًا سياسيًا وماليًا.
لقد عمل الحجازي على مدار عشرة أشهر لتأسيس تحالف سياسي داخل المجلس من أجل تمرير هذا القرار، إلا أنه واجه معارضة شديدة وتأجيلات. اللحظة التي تم فيها التصويت على القرار كانت مباشرة قبل اغتياله، مما يثير الدهشة حول صلة هذين الحدثين ببعضهما البعض في ضوء المصالح الاقتصادية المتضررة. البيانات تشير إلى أن الأراضي المذكورة كانت تحت إجراءات أمنية خاصة، مما جعلها مسرحًا للسرقة الشرعية بأغطية استثمارية وأمنية.
يؤكد أحد المقربين من الحجازي، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن القرار كان يشكل تهديدًا مباشرًا لشبكات قوية لها أدوات سياسية وأمنية تحمي مصالحها، وكان الحجازي مدركًا للمخاطر المحيطة به.
قبل ساعات من اغتياله، نشر الحجازي آخر منشوراته التي اعتبر فيها انتصاره لأهالي مناطق الحزام. لم يكن هذا فقط مرورًا عبر نظام إداري، بل تعهدًا ملموسًا بمراقبة تنفيذ القرار، مما جعله هدفًا واضحًا في معادلة السلطة والمال. بعد ذلك، كان من المقرر أن يرأس لجنة للإشراف على تنفيذ القرار، قبل أن تنتهي مهمته بشكل مأساوي في الطارمية.
المشهد الأمني في الطارمية يتسم بالتعقيد، حيث يتداخل فيه العسكريون والشرطة والاستخبارات والفصائل المحلية، مما يخلق فوضى قد تستغلها جهات تمتلك نفوذًا مزدوجًا، سواء داخل مؤسسات الدولة أو خارجها.
وفي ضوء التطورات، شكلت قيادة العمليات في بغداد لجنة تحقيق لمتابعة الحادثة، ولكن حتى كتابة هذه السطور، لم يتم التوصل إلى نتائج واضحة، مما يثير المخاوف حول مصير القضية.
يمكن القول إن اغتيال صفاء الحجازي يمثل جريمة تتجاوز إطار السياسة لتكون رسالة للجميع: المساس بمصالح النفوذ يعني مواجهة حتمية مع الموت. السؤال يبقى: هل تمتلك الدولة القدرة على تنفيذ قراراتها، أم أن من يمتلكون الأرض والسلاح هم الحاكمون الفعليون؟
تعليقات