الجدل يحتدم حول مدونة الأحوال الجعفرية: اتهامات دولية للعراق بتمييز النساء وتحويلهن إلى مواطنات من الدرجة الثانية

قانون الأحوال الشخصية الجعفري وتأثيره على حقوق الأفراد

منذ عام 2014، عندما ظهرت مسودة قانون الأحوال الشخصية الجعفري، أصبح هناك جدل واسع في الساحة العراقية حول الأساس الذي يجب أن يُبنى عليه هذا القانون. هل يجب أن يستند إلى المبادئ المدنية التي تضمنت في قانون 1959، أم إلى المرجعيات المذهبية التي تسعى لتغيير العلاقة بين الأفراد والمؤسسات الدينية؟

التحول نحو القانون المذهبي

عاد المشروع المعدل في عام 2025 ليشكل بداية جديدة لنظام تشريعي مزدوج يدعم خيارات قانونية متعددة في مجالات الزواج والطلاق والميراث، حيث يمكن للزواج الاختيار بين القانون المدني وقانون المدونة الجعفرية. وفقاً لمنظمة هيومن رايتس ووتش، هذا التحول يُعتبر تمييزًا ضد النساء ويمنح الرجال سلطات أكبر في قضايا الطلاق والحضانة والميراث، مما يؤثر سلبًا على حقوق المرأة.

تؤكد الباحثة سارة صنبر أن المدونة الجديدة تنقص من حقوق النساء القانونيّة، وتعيد تحديد دورهن ضمن نطاق أضيق، مما يهدد فكرة المواطنة القائمة على المساواة. قانون الأحوال الشخصية المعدل يُظهر تحولًا ملحوظًا نحو الاعتراف بالانتماءات الدينية بدلاً من المواطنة، مما يتعارض مع فقرات الدستور العراقي التي تكفل حق المساواة بين جميع المواطنين.

كما أشار قاضٍ في بغداد إلى أن المدونة تؤدي إلى ارتباط القضاء بالمرجعية الدينية، مما يعزز تأثير الدين على حقوق الأفراد، ويُفقد النساء المكاسب التي حققنها على مدى عقود. في المقابل، يعكس تداول الأخبار حول نزع حضانة الأطفال من الأمهات الأثر الوخيم لإقرار هذا القانون، حيث شهدت الفترة الأولى في تطبيق القانون حالات هجرة لبعض الأسر إلى إقليم كردستان خوفًا من تطبيق القانون الجديد.

على الصعيد السياسي، نفى النائب أمير المعموري الأخبار المتعلقة بنزوح النساء، مشددًا على ضرورة توخي الدقة في نقل المعلومات. هذا النفي يُظهر محاولة للحد من تصاعد المخاوف الاجتماعية، إلا أنه في الوقت ذاته يعبر عن انقسام داخل المجتمع حول هذه القوانين. التحليلات القانونية تشير إلى أن هذا القانون يمثل تحولًا نحو تفكيك مفهوم الدولة المدنية، مما قد يؤدي إلى خلق نظام قانوني مختلف، يعتمد على الهوية المذهبية.

قصة غزل ح. التي نشرتها هيومن رايتس ووتش تسلط الضوء على كيف يمكن للقانون المعدل أن يُحدث تغييرات جذرية في العلاقات الأسرية. بعد الطلاق، واجهت غزل صعوبات قانونية نتيجةً للتطبيق الرجعي للقانون. هذا الانزلاق في القوانين يجعل استمرار حقوق النساء مهددًا، ويفتح المجال لوضع جديد يزيد من النزاعات الأسرية.

المدونة الجديدة لم تعد تقدم حلًا موحدًا للمشكلات القانونية، بل تؤدي إلى تعدد المرجعيات القانونية والاستمرار في تفتيت حقوق الأفراد. إن تأثير هذا القانون لا يقتصر على الأبعاد القانونية فقط، بل يمكن أن تُحدث فوضى اجتماعية جديدة تؤثر على جميع جوانب الحياة الأسرية. إن ما يحدث في العراق الآن يعكس اختبارًا جوهريًا لمدى قدرة الدولة على الحفاظ على حقوق مواطنيها في ظل تزايد الانتماءات المذهبية.

في ختام الأمر، تبقى الأسئلة قائمة: هل ستجعل الدولة نفسها الحكم الأعلى التي توحد المواطنين تحت قانون موحد؟ أم ستترك الأمور لتُدار وفق التعاليم المذهبية؟ إن الإجابة عن هذه الأسئلة مرتبطة بمستقبل المجتمع والدولة العراقية بشكل عام.