استكشاف كنوز الصحة في رؤية محمد علي باشا: ملامح طبية متقدمة في دار الكتب

كنوز الصحة: كتاب طبي مصري بارز في القرن التاسع عشر

أصدرت دار الكتب والوثائق القومية إصدارًا جديدًا لكتاب “كنوز الصحة ويواقيت المنحة”، الذي يُعد من أبرز المؤلفات الطبية في مصر خلال القرن التاسع عشر. يمثل الكتاب نقطة تحول في مجال الصحة العامة، حيث جمع بين أساليب الطب الوقائي والعلاجي بطريقة ميسرة للجمهور، وذلك في إطار جهود محمد علي باشا لتحديث البلاد.

نور الصحة العامة

يأتي هذا الإصدار في إطار سعي دار الكتب لإحياء التراث العلمي والطبي المصري، من خلال نشر طبعة منقحة من هذا الكتاب النادر. كان له دور محوري في تغيير نظرة المصريين تجاه الصحة والطب الحديث، خصوصًا في زمن انتشار الأوبئة مثل الكوليرا والطاعون، حين كان العديد من الناس يعتمدون في علاجهم على المشعوذين بدلاً من الأطباء المتخصصين.

يعود أصل الكتاب إلى الطبيب الفرنسي كلوت بك، الذي يُعتبر أحد أعمدة النهضة الطبية في مصر تحت حكم محمد علي. قام بإملاء الكتاب باللغة الفرنسية بهدف تسهيل الوصول إلى المعرفة الطبية لجمهور عريض، وتمت ترجمته إلى العربية من قبل محمد التونسي بن سليمان، الذي حرص على تبسيط اللغة لتكون مفهومة للجميع. تناول الكتاب مواضيع تتعلق بالصحة العامة، البيئة الصحية، التغذية، النظافة، والوقاية من الأمراض. كما بحث في تشخيص وعلاج الأمراض مثل الطاعون والكوليرا والحمى، وقدم نصائح بشأن أساليب التغذية السليمة وتنظيم النوم وممارسة الرياضة، مع تخصيص فصول للأمومة والطفولة.

لم يغفل الكتاب التأثير الذي يمكن أن يحدثه الطب على الأمن القومي، إذ أكد مؤلفوه على ضرورة وجود مجتمع صحي لدعم نهضة الدولة الحديثة، خاصة في وقت كانت الحكومة تستثمر بشكل كبير في تطوير النظام الصحي وتأسيس المدارس والمستشفيات. يعد “كنوز الصحة ويواقيت المنحة” من أوائل المؤلفات التي استهدفت العامة بأسلوب علمي مبسط، الأمر الذي زاد من شعبيته في عصره، حتى نفدت طبعته الأولى في عام 1844، وعُيد طبعه في عام 1854.

أعرب د. أحمد الشربيني السيد، أستاذ التاريخ بجامعة القاهرة ومحرر الكتاب، عن أهمية إعادة إصدار هذا الكتاب، مشيرًا إلى أنه يمثل خطوة مهمة في توثيق تاريخ الطب في مصر الحديثة، والجهود المبذولة لبناء نظام صحي متكامل. ويظل الكتاب مرجعًا مهمًا للباحثين في مجالات التاريخ الطبي، الأوبئة، التغذية، والمجتمع المصري في القرن التاسع عشر.

يشكل الكتاب أيضًا بعدًا ثقافيًا واجتماعيًا مهمًا، حيث يعكس التحول في وعي المجتمع تجاه الصحة العامة من الاعتماد على الخرافات إلى تبني العلم والطب الحديث، مما يعكس المشروع القومي لبناء الإنسان المصري الحديث.