الشرق الأوسط: العودة إلى الهوية المصرية

أهمية مصر في السياسة الشرق أوسطية

بعد مرور أشهر على زيارة ترامب السابقة للمنطقة، والتي غابت عنها القاهرة عمدًا، تبدّلت المعادلات بسرعة أو ربما تغيّرت لترتبط بنمط جديد. لقد أدرك الجميع الآن أن استقرار الشرق الأوسط مهما تعددت مبادراته ومشروعاته لا يمكن أن يتم بدون وجود مصر. وها هو ترامب يعود اليوم، لكنه لا يتجه إلى “المنطقة” بصورة عامة بل إلى مصر مباشرة، في زيارة يتم تحديدها وفق معايير مصرية خالصة تحكمها قواعد القاهرة ولا تتأثر بأهواء العواصم.

دور القاهرة كوسيط رئيسي

منذ البداية، كانت مصر حريصة على عدم الانغماس في سباق محموم نحو شرق أوسط متقلب، حيث يتم تسويق الوهم تحت مسميات جذابة مثل “السلام الاقتصادي” و”الأمن الذكي” و”تحالفات المستقبل”. وقد أدركت القاهرة مبكرًا أن هذه المبادرات لا تمثل سوى محاولات لإعادة رسم الخريطة بما يتناسب مع مصالح المال، وليس مع من يملك التاريخ، مما يعني أن الثمن النهائي سيكون التفريط في الجغرافيا والسيادة معًا.

ومع اختيار مصر لموقف المنأى عن المشهد آنذاك، لم يكن غيابها انسحابًا، بل كان قرارًا مدروسًا. فلا تدخل القاهرة أي مائدة إلا إذا كانت هي التي تحدد جدول أعمالها، ولا توقع على مبادرات لا تتناسب مع مكانتها ودورها. واليوم، بعد أن فشلت المشاريع البديلة في تحقيق أهدافها، يعود الجميع للبحث عن “الوسيط العاقل” و”الضامن الحقيقي” و”الركيزة التي لا تسقط”، ليجدوا ضالتهم في مصر.

زيارة ترامب الحالية ليست مجرد استكمال لجولة قديمة، بل هي تصحيح لمسار كان غير سليم. تأتي هذه الزيارة إلى دولة لم تغير ثوابتها ولم تفقد موقفها في مزاد الوعود الجذابة، ولم تتنازل عن أمنها القومي تحت شعار “الشراكة الذكية”. مصر التي فضلت الصمت على الثرثرة الإقليمية تعيد التأكيد على أن الوزن الحقيقي لا يتم استعارة وإنما يكسب بالفعل والعمل والتوازن.

الشرق الأوسط الذي يتم تشكيله اليوم ليس شرقًا جديدًا كما يريده الآخرون، بل هو شرق أعاد تنظيم نفسه بما يتناسب مع مصر. شرق لا يفرط في ثوابته من أجل السلام، ولا يساوم على كرامته مقابل الوعود. هذا الشرق يدرك أن القاهرة، رغم التحديات التي واجهتها، ما زالت قادرة على فرض حدود الفوضى وتحديد زمن السياسة.