المزارع المؤجرة: كيف تصبح الفضاءات الخاصة مناطق ‘سوداء’ خارج الرقابة العامة

ظاهرة المزارع المؤجرة وتأثيرها الاجتماعي والاقتصادي

تُعد ظاهرة المزارع المؤجرة التي انتشرت بشكل ملحوظ في بعض المدن، واحدة من التوجهات الجديدة التي تسهم في تعزيز الحياة الاجتماعية والاقتصادية. تثير هذه الظاهرة جدلاً واسعًا حول الأنشطة الممارسة داخل هذه المزارع، وتحديات الرقابة عليها ومدى التزامها بالقوانين المعمول بها. يجادل بعضهم بكونها تجربة ترفيهية مشروعة تُنعش الاقتصاد الريفي وتوفر فرص العمل، بينما يعبر آخرون عن تخوفاتهم من تحولها إلى فضاءات يصعب السيطرة عليها خصوصاً في ظل ضعف الإشراف الأمني وقلة التشريعات المنظمة.

تجربة المزارع السياحية كفرصة جديدة

نفى قائممقام قضاء بلد في محافظة صلاح الدين، حيدر البلداوي، وجود ما يسمي بـ “المزارع السوداء”، موضحًا أن جميع المزارع السياحية في القضاء تعمل على أساس قانوني وتتلقى إشرافًا من السلطات المحلية. وقد أشار البلداوي إلى أن تجربة المزارع السياحية في منطقتهم قد أسفرت عن إحياء السياحة المحلية وتحويل البساتين إلى وجهات سياحية تجذب العائلات من بغداد والمناطق الأخرى.

رغم التطمينات التي تسرد من قبل السلطات في بلد، لا تزال المخاوف قائمة في مناطق أخرى، خاصةً قرب العاصمة بغداد، حيث يلجأ العديد من الشباب لاستئجار مزارع خاصة للاحتفال بمناسبات اجتماعية أو قضاء عطلات قصيرة. ومع عدم وجود نظام قانوني واضح، فإن بعض هذه المزارع قد تصبح مجرد مساحات منعزلة عن الرقابة العامة، بحكم ملكيتها الخاصة التي تمنع دخول الجهات الأمنية دون إذن قضائي.

أضاف البلداوي أن أكثر من 400 مزرعة سياحية تخضع لوثيقة إرشادات تتضمن ست نقاط رئيسية تهدف إلى الحفاظ على القيم الأخلاقية ومنع الممارسات غير القانونية. ومع ذلك، حذر المختصون من أن هذه العزلة القانونية قد تؤدي إلى وجود ثغرات يُستغل بعضها في أنشطة غير قانونية، مع تأكيد أن القانون العراقي يمنع مداهمة أي عقار خاص دون إذن قضائي، مما يحد من القدرة على الرقابة الميدانية.

لم تستطع البلداوي تأكيد عدم وجود ممارسات مشبوهة إلا أن نفى صحة الشائعات حول “المزارع السوداء”، مشددًا على أن سمعة بلد الاجتماعية والعشائرية لا يمكن أن تتقبل أي شائبة. وقد أثبتت تجربة المزارع السياحية جدواها الاقتصادية، وقد تصبح نموذجًا يحتذى لبقية المناطق، خاصةً في ظل انخفاض المرافق السياحية المتاحة في العاصمة.

في سياق متصل، أشار مصدر أمني إلى وقوع حوادث جماعية نتج عنها اعتقال 14 شخصًا بسبب انتهاكهم لضوابط عمل المزارع السياحية. وقد كانت هذه الحادثة بمثابة التطبيق الأول للوثيقة التنظيمية، بالتعاون مع الأجهزة الأمنية، والتي تهدف إلى تنظيم النشاط السياحي ومنع تحويل المزارع إلى فضاءات مغلقة خارج سلطة القانون.

مع تزايد ظاهرة “مزارع الإيجار”، يسعى العديد من الخبراء إلى التأكيد على ضرورة وجود إطار تنظيمي يضمن استمرارية هذا النشاط مع الحفاظ على القيم الاجتماعية. ويعتبرون أن النموذج الناجح لقضاء بلد يمكن أن يعزز من جهود تنظيم هذه الأنشطة، من خلال وثائق رسمية وترخيص يربط المزارع بالجهات الرقابية.

في مقابل ذلك، يشدد أصحاب المزارع على أن غالبية هذه المشاريع عائلية ومشروعة، حيث تساهم في دعم الاقتصاد المحلي وتوفير الفرص الوظيفية. وهم يطالبون الدولة بدعم هذه الأنشطة بدلاً من تنفيذ قيود تمنعها، فيما يبقى السؤال المحور حول إمكانية تنظيم هذه الفضاءات دون أن تتحول إلى مناطق مغلقة عن الرقابة العامة. ويبدو أن الإجابة ستعتمد على قدرة الحكومة على سن تشريعات توازن بين الخصوصية والأمن العام، مع الحفاظ على روح التجربة السياحية التي أضفت على المزارع طابعًا اقتصاديًا واجتماعيًا حيويًا في البلاد.