ثقافة التميّز في التعليم السعودي
تمثل ثقافة التميّز أساسيةً في تقدم التعليم في المملكة العربية السعودية، حيث أصبحت جزءًا لا يتجزأ من منظومة الجودة والتحسين المستمر. لم تعد هذه الثقافة مجرد عرض احتفالي، بل أضحت معيارًا يقاس من خلاله كفاءة المدارس نضج إداراتها وفاعلية قياداتها. تُبنى هذه الثقافة من خلال الممارسة الحقيقية والقدوة، وتظهر في أداء المعلمين وجودة نتائج التعلم، ما يساهم في خلق بيئة مدرسية محفزة للإبداع.
مفهوم التفوق في التعليم
يحتل السؤال حول من يساهم في صناعة التميّز في الميدان أهمية كبرى، إلى جانب من يدعم القائمين على هذه الإنجازات بعد تحقيقها. على مدى عامين متتاليين، تقيم هيئة تقويم التعليم والتدريب، من خلال مركز التميز المدرسي، احتفالاً وطنياً لتكريم مديري ومديرات المدارس التي حققت تميازًا خلال عامي 2024 و2025، أو استمرت في تميزها وفق تحديث البيانات وتحقق الأداء. هذا الاحتفال ليس مجرد مناسبة احتفالية، بل هو تتويج لمجهودات وطنيّة حقيقية تهدف إلى نشر ثقافة التميّز والتركيز على القيم القيادية القادرة على تحويل المعايير إلى ممارسات أثرها واضح في الميدان.
لقد قامت الهيئة بعمل جليل من خلال جعل هذا التكريم حدثًا سنويًا يبرز قادة الميدان التعليمي ويشيد بتأثيرهم الواضح في تطوير التعليم. إذ أنه يغرس روح التنافس الإيجابي ويؤكد على فكرة أن الجودة ليست مجرد شعارات إدارية، بل هي سلوك يمكن قياسه. عندما تصل مدرسة سعودية إلى ذروة مؤشرات التميّز لعامين متتاليين، فهذا يشير إلى قيادة واعية وثقافة أداء متجددة، فضلاً عن فريق يؤمن بضرورة التحسين المستمر لتعزيز الاستدامة.
يبقى السؤال الأهم: ماذا بعد التكريم؟ فالهيئة تقوم بجهود ملموسة في الرصد والتوثيق، لكن تلك الجهود تحتاج إلى تكامل مع وزارة التعليم لتحويل النماذج الناجحة إلى مرجعيات مهنية وطنية يستفاد منها في التدريب وتطوير القيادات وصياغة السياسات.
تُعتبر مدارس التميّز مصادر خبرة حقيقية تستحق الاستفادة منها. من الضروري زيارة هذه المدارس واستخلاص دروس في القيادة الفعالة لضمان استمرارية التميّز. ولكن، عدم وجود نظام مؤسسي يعنى بتوثيق هذه الخبرات يجعل التميّز مقتصرًا على الاحتفاء الرمزي دون تحوّله إلى سياسة تطوير وطنية. كما تلعب الهيئة دورًا رمزيًا ومعنويًا مهمًا، لكن يتطلب الأمر أيضًا توفير تقدير مادي ليعزز هذا الجهد ويحقق الاستدامة. فالمدير الذي يقود مدرسته نحو التميّز يعمل في بيئة مليئة بالتحديات، ومن العدل أن يتم الاحتفاء بجهوده من خلال حوافز مادية ملموسة مثل المكافآت، أو الأولوية في الترقيات.
إن ربط التكريم بالتحفيز المادي يعكس العدالة التنظيمية ويشعر جميع العاملين بأن السياسات والمكافآت تُدار بشفافية. الرسالة هنا مفادها أن التميّز ليس مجهودًا تطوعيًا، إنما استثمار وطني يعترف بالكفاءة كما هو الحال في قطاعات أخرى. وقد أثبتت التجارب أن الجمع بين التقدير الرمزي والمادي يعزز بيئة العمل العادلة ويقوي ثقافة التنافس المستدام، مما يؤدي إلى ظهور قيادات أكثر التزامًا وإبداعًا.
إن ما تقوم به هيئة تقويم التعليم والتدريب اليوم هو قاعدة وطنية للتميّز المدرسي، إلا أن الشراكة الأعمق مع وزارة التعليم ضرورية لتحويل هذا التميّز إلى أصل معرفي ومنهجي. يمكن للوزارة أن تدمج تجارب المدارس المتميزة ضمن برامج التدريب القيادي وحقائب التطوير المهني، وبالتالي تنقل الخبرات بشكل مباشر من الميدان.
كما ينبغي أن يتجاوز الاعتراف الرسمي بتلك المدارس التكريم السنوي إلى إنشاء شبكة وطنية للتميّز، تساهم في تطوير السياسات وصياغة نماذج إشرافية حديثة. تشكل هذه المدارس محورًا لعملية تحول شاملة نحو المدارس المُمكنة القادرة على قيادة التغيير.
ختامًا، تتقدم الهيئة بالشكر على المبادرة الرائدة في تكريم التميّز وإشاعة ثقافة الجودة، لكن الرسالة الحقيقية تكمن في أهمية تحويل التكريم إلى تقدير مؤسسي ومعنوي ومادي مستدام، والعمل على تحويل قصص النجاح الفردية إلى سياسات تطوير وطنية تدعم تجربة التعليم في المملكة.

تعليقات