نجاح دبلوماسي سعودي: تطور العلاقات اللبنانية السورية في عهد جديد

العلاقات اللبنانية السورية في مرحلة جديدة

بدأت العلاقات اللبنانية-السورية فعلاً تدخل مرحلة جديدة ومختلفة عن تلك التي كانت سائدة خلال السنوات السابقة، خاصة عقب التغييرات الجذرية التي شهدتها دمشق بعد سقوط النظام السابق. لقد كانت زيارة وزير الخارجية السوري الجديد أسعد الشيباني إلى بيروت أكثر من مجرد زيارة بروتوكولية أو خطوة رمزية، بل حملت في طياتها علامات واضحة لبداية مسار سياسي ودبلوماسي جديد بين البلدين، مما يفتح القنوات الرسمية للتواصل بينهما.

الترتيبات الجديدة

تضمنت هذه الزيارة دلالتين رئيسيتين. الأولى هي أن النظام السوري الجديد بدأ فعلاً في استيعاب الواقع السياسي في المنطقة والتعامل مع لبنان على أساس الاحترام المتبادل والسيادة الكاملة، بعيداً عن النظرة التقليدية التي كانت تعتبر لبنان ساحة أو امتداداً لسياسات دمشق. الدلالة الثانية تبرز من خلال الحراك الدبلوماسي الذي تقوده السعودية والذي بدأ يظهر ثماره تدريجياً، مما يعزز تحسين العلاقات بين لبنان وسوريا ويهيئ الظروف لتفاهمات جديدة تتجاوز منطق العداء أو الارتياب نحو شراكة قائمة على المصالح المشتركة.

إلى جانب ذلك، يتزامن هذا التطور مع حدثين سياسيين هامين. الأول هو المبادرة التي أطلقها نائب الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، تجاه السعودية، والتي لم تلقَ ردة فعل سلبية أو تصعيد من الرياض، بل تم التعامل معها بقدر من الانفتاح الحذر، مما يعكس رغبة ضمنية في اختبار فرص التهدئة. أما الحدث الثاني، فهو ما يتم تداوله عن قنوات تواصل غير مباشرة بين الحزب والنظام السوري الجديد، في محاولة لتوضيح العلاقة وتحديد مجالات التعاون والاختلاف، في ظل المتغيرات الإقليمية السريعة.

في ظل هذه التطورات، يبدو أن المنطقة الآن تشهد إعادة رسم العلاقات في إطار أكثر واقعية وبراغماتية. تسعى دمشق الجديدة إلى فتح صفحة جديدة مع جيرانها، بينما تبدو بيروت مستعدة للانخراط في هذه اللحظة لتأسيس علاقة متوازنة مع سوريا. في الوقت نفسه، تراقب الرياض هذه الديناميكيات من منظور أوسع يتعلق بإعادة ترتيب البيت العربي. ومع تعدد الأدوار والمصالح، قد تشهد المرحلة المقبلة بلورة تفاهمات سياسية واقتصادية جديدة بين لبنان وسوريا، مما يضع حداً لسنوات القطيعة ويفتح المجال أمام مرحلة أكثر استقراراً وتعاوناً في المنطقة.