مكافحة داعش: الأولوية في العلاقة بين العراق والولايات المتحدة
تمرّ العلاقات بين العراق والولايات المتحدة حالياً بمرحلة مهمة تتطلب إعادة ضبط دقيق، حيث وضعت واشنطن مكافحة تنظيم داعش في صدارة أولوياتها الأمنية في المنطقة. هذا التحول في الأولويات ليس بلا أسباب؛ فهو يأتي نتيجة لسنوات من الاستنزاف العسكري والسياسي منذ عام 2003، بالإضافة إلى تقييم أمريكي يحدد التهديدات العابرة للحدود، بما في ذلك بقايا داعش، كأخطر ما يواجه الأمن القومي الأمريكي. على الجانب العراقي، يجد صانع القرار نفسه أمام معضلة تتمثل في كيفية الاستفادة من الدعم الأمريكي لمكافحة الإرهاب، مع الحفاظ على سيادة البلاد وتجنب الوقوع في فخ التبعية.
الإستراتيجية الأمنية: مواجهة تنظيم داعش
تؤكد التقارير المتداولة أن مهمة الولايات المتحدة في العراق قد أُعيد تحديدها لتركيز الجهود على مكافحة داعش فقط. كما أوضح مسؤول أمريكي بأن “هذه المهمة تتعلق بتنظيم إرهابي يشكل تهديدًا عابرًا للحدود وليس للعراق فقط”. وبشكل أعمق، تشير التحليلات القانونية إلى أن هذا التركيز يفيد بأن تفكيك داعش يعتبر ضرورة أمنية تتجاوز حدود العراق. أي تمحور نحو ملفات أخرى قد يقود إلى تجارب استنزاف مشابهة لما حدث في أفغانستان. لذا، فإن الشراكة الواسعة التي كانت موجودة سابقًا قد تحولت الآن إلى صيغة ضيقة تركز على “مكافحة عدو واحد وتأجيل باقي الملفات”.
من أبرز نتائج ذلك هو نقل مركز ثقل الوجود العسكري الأمريكي إلى إقليم كردستان، حيث ستصبح أربيل محور القيادة والتنسيق مع القوات العراقية والسورية والكردية. هذا التحول يهدف إلى حماية القوات الأمريكية من الضغوط السياسية في المناطق الوسطى والجنوبية وتعزيز القدرة على مراقبة الحدود، وبالرغم من ذلك، يترك فراغًا في مناطق أخرى قد تستغله خلايا داعش.
ما يزال التعاون الأمني مستمرًا، لكن واشنطن تتعامل بحذر في وصف علاقتها مع بغداد، مع التأكيد على ضرورة أن تكون أي شراكة قائمة على أسس مشتركة وتوافق حكومات البلدين. هذا التوجه يعكس واضحًا رغبة واشنطن في تجنب الالتزامات المعقدة والمطولة، مفضلةً مرونة تسمح بإعادة تقييم وجودها تبعًا للمتغيرات.
في السياق ذاته، تسعى الولايات المتحدة إلى إزالة العقبات بين قوات سوريا الديمقراطية والحكومة السورية في خطوة تهدف إلى تكثيف الجهود المبذولة لمواجهة داعش، إذ يُعتبر هذا المنحى تقليلًا للمخاطر التي قد تواجه الأمن الأمريكي. هذه السياسة تعكس براغماتية واضحة، حيث تضع الأولوية لمواجهة داعش فوق أي خلافات سياسية.
بينما يواجه العراق تحديات عديدة، يظهر أن نجاح مؤسساته الأمنية في ملء الفراغ الذي قد ينجم عن إعادة التموضع العسكري الأمريكي هو اختبار جوهري في هذه المرحلة. تتجلى هذه التحديات من خلال الهجمات المستمرة في مناطق مثل ديالى وكركوك، مما يعكس تبعات الضعف الأمني الحالي للعراق. لذا، يتطلب الوضع القائم إصلاحات جادة لتعزيز القدرات الوطنية، من ضبط السلاح المنفلت إلى تحسين نظام العدالة. هذه العوامل تشكل تحديًا حقيقيًا أمام الدولة العراقية، مما يجعل إدارة ملف الأمن أمرًا حيويًا.
في النهاية، يشكل شعار “داعش أولًا” محور العلاقة الراهنة بين واشنطن وبغداد. وأي تقلب في هذا المسار قد يؤدي إلى تفجير القضايا العالقة الأخرى، مثل النفوذ الإيراني ومستقبل الوجود العسكري، ما يجعل هذه الملفات تشكل قنابل موقوتة في أي لحظة.
تعليقات