من مفاعل تموز إلى الشراكة الروسية والتحديات الأمريكية: مستقبل النووي العراقي في مهب الريح
التعاون النووي العراقي – الروسي
يمرّ العراق بمرحلة حاسمة في إدارة ملف الطاقة، حيث تحوّلت أزمة الكهرباء إلى إشكالية هيكلية تهدد الاستقرار السياسي والاجتماعي. في هذا السياق، يبرز التعاون مع روسيا في مجال الطاقة النووية السلمية كخيار استراتيجي يرمي إلى إحداث تحوّل نوعي في قطاع الطاقة الوطني. لكن هذا الخيار يواجه تحديات عديدة بدءًا من المتطلبات القانونية والدستورية وصولاً إلى المخاطر السياسية والاقتصادية.
شراكة استراتيجية في الطاقة
تشير المداولات الدستورية إلى أن العراق، كدولة طرف في معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، ملزم بآليات رقابة صارمة، مما يجعل هذا المشروع مرتبطًا بمستوى انسجامه مع قواعد الوكالة الدولية للطاقة الذرية. على الصعيد التقني، يوضح الخبير في شؤون الطاقة دريد عبد الله أن توسيع التعاون مع روسيا في مشاريع الطاقة النووية السلمية يمثل تحولاً استراتيجياً في بنية قطاع الطاقة الوطني، ويفتح آفاقاً لتحقيق الاكتفاء الطاقي وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.
تشير الدراسات المقارنة، مثل تجربة كوريا الجنوبية، إلى أن إدخال الطاقة النووية منذ السبعينات أدى إلى تنويع مصادر الكهرباء وأدى لاحقاً إلى تصدير التكنولوجيا النووية. بناء قاعدة معرفية محلية يعد شرطاً أساسياً للقدرة على الاستقلالية في هذا المجال. ويشير عبد الله إلى أن التعاون مع الجانب الروسي سيساهم في نقل الخبرات التقنية وبناء كوادر وطنية قادرة على إدارة وتشغيل المشاريع النووية.
تتضمن الاتفاقيات المزمع تنفيذها إنتاج الطاقة الكهربائية من الطاقة النووية وإنتاج النظائر المشعة للأغراض الطبية والزراعية، إضافةً إلى تدريب الكوادر في المؤسسات الروسية. هذا النموذج يشبه تجربة الهند التي استثمرت في الاستخدامات النووية المتنوعة لتعزيز التنمية قبل توسيع بنيتها الكهربائية.
على الصعيد السياسي، يتجلى القلق من إمكانية اعتراض أمريكي على المشروع. النائب مختار الموسوي أكد أن العراق لا يسعى لأي برنامج عسكري، بل يهدف للاستفادة من الخبرات الروسية في تطوير القدرات التقنية. يُظهر هذا التصريح محاولة لطمأنة المجتمع الدولي، لكنه في ذات الوقت يُدرك أن تحركات البلاد في المجال النووي تخضع لمراقبة دقيقة. تجارب الإمارات تُظهر كيف نجحت في تشغيل محطة “براكة” بفضل الشفافية مع الوكالة الدولية للطاقة، مما ساعدها على تجنب أي ضغوط سياسية.
يعتبر الموسوي أن من المهم وجود تفاهمات مع الجانب الأمريكي لتفادي أي عقبات سياسية. هذا الموقف يعكس فهماً بأن العراق لا يستطيع تجاهل معادلة النفوذ الأمريكي
تعليقات