لم يكن ترامب يتحدث عن اتفاق شامل، بل يعبر عن رغبة انتخابية لتأكيد صورته كـ “رجل السلام” في زمن يتعب فيه الداخل الأمريكي من الحروب الطويلة. تحولت تصريحات البيت الأبيض إلى نوع من الوقت الضائع، حيث لا وجود لسلام كامل ولا لهذا الحرب، وإنما جاء الأمر كمجرد هدنة يكتنفها المصالح. وأيضًا، كانت هناك خطة سرية تتجه نحو تحديد مصير المفاوضات في شرم الشيخ.
في الوقت ذاته، كانت القاهرة تستعد بين الحسم والتأجيل، تعيد ارتداء عباءتها التقليدية كوسيط للتهدئة. بعد عامين من الأزمات وعنف غزة، إدراك القاهرة بأن أي سلام هش لن يستمر إذا لم يكن ضامنًا لفلسطين. ولكن، ماذا ينتظرها هذه المرة؟ ليس مجرد وقف لإطلاق النار، بل إعادة تعريف للقضية الفلسطينية: من يحكم غزة؟ من يحمل السلاح؟ وكيف يتم التحدث باسم الشعب الفلسطيني بعد عامين من الألم؟
في الكواليس، أكدت مصادر مصرية أن المفاوضات ستعقد عبر “الغرف المنفصلة”، حيث يقيم الوفدان الإسرائيلي والحمساوي في مبنيين متقابلين داخل المنتجع، بينما يتنقل الوسطاء المصريون والقطريون حاملين الرسائل بين الجانبين، ما يعكس عمق الفجوة وانعدام الثقة. لذا، أصبحت شرم الشيخ في نظر البعض غرفة عزل سياسي أكثر من كونها طاولة حوار.
من جهة أخرى، تطورت الحالة داخل حماس، حيث انقسمت بين جناحين يختلفان حول كيفية التعامل مع الوضع الحالي. إذ يعد أحدهما أن الحرب قد بلغت ذروتها العسكرية والآخر يخشى من الانتحار السياسي في حال التراجع. تشيع مصادر عربية أن الحركة تبحث في تسليم جزء من سلاحها تحت إشراف دولي، في مقابل ضمانات أمريكية بالانسحاب الإسرائيلي المستدام ورفع الحصار. ولكن، في مقابلة مع وسائل الإعلام، حملت الحركة رسالة تنفي الشائعات، مما يعكس الازدواجية في خطابها.
في تل أبيب، كان نتنياهو يتابع الأحداث عن كثب، مدركًا أن أي اتفاق سريع قد يُفكك حكومته اليمينية. عبّر عن عدم قدرته على ضمان موافقة حماس، ورغم تفاؤل ترامب، قام بعرض مشاعره المحايدة: “آمل أن يحدث، لكنني لا أضمن ذلك.”
وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو ظهر كلاعب رئيسي في تلك المرحلة الانتقالية، حيث اعتبر rằng 90% من التفاصيل قد جرى الاتفاق عليها، بينما هدد بأن المفاوضات لا يمكن أن تستمر لأكثر من أيام. ومع ذلك، كانت الولايات المتحدة تبحث عن توازن دائم وليس حلاً نهائيًا.
في النهاية، تحاول كل الأطراف كتابة سطرها الأخير قبل الدخول إلى المفاوضات: الولايات المتحدة تسعى لإغلاق الملف، تل أبيب تريد الإبقاء على الحرب مفتوحة سياسيًا، بينما تسعى القاهرة لإثبات زخم عربي متجدد. الأوروبيون في المقابل يريدون أقل الخسائر الممكنة. يتجه الجميع إلى شرم الشيخ، حيث لم يعد هناك منتصر بل مجموعة من الخاسرين يحاولون الخروج بأقل الأضرار الممكنة. ساعات المفاوضات القادمة تُمتحن من خلالها الإرادات، ففي حال نجحت القاهرة في جمع الخيوط، قد نرى تطورات جديدة، وإلا فستدخل غزة إلى فراغ جديد ملؤه الأزمات المستمرة.
الإستراتيجية الأمريكية ومسار القضية الفلسطينية
تتبع الولايات المتحدة في هذه المرحلة إستراتيجية مثيرة للاهتمام، حيث تسعى لتوجيه اللاعبين المحليين بطريقة تكفل تحقيق توازنات دائمة، دون تقديم وعود صارخة قد تؤدي إلى فقدان السيطرة. الفرضية وراء هذه السياسات هي أن السلام لا يأتي من خلال الحلول الفورية، بل يتطلب استراتيجيات طويلة الأجل تُعزز الاستقرار في المنطقة وتقليص الصراعات.
الفرصة الأخيرة أمام الأطراف الفلسطينية
بينما تواجه السلطة الفلسطينية تحديات كبيرة في استعادة سلطتها، فإن هذه اللحظة قد تكون الفرصة الأخيرة لها لتأكيد وجودها ودورها في القضية الفلسطينية، مع ضمان أن السلاح يصبح مسؤولية الدولة، وليس رمزًا للفصائل. فكل خطوة تأخذها الأطراف الفلسطينية ستحدد مصيرها السياسي في المستقبل القريب.

تعليقات