من بغداد إلى الجولان: تأثير تدخل الجيش العراقي على مسار حرب تشرين 1973

حرب تشرين: الذكرى الثانية والخمسون

تُصادف اليوم، السادس من تشرين الأول 2025، الذكرى الثانية والخمسون لحرب تشرين، المعروفة أيضًا بحرب يوم الغفران لدى إسرائيل. تُعَد هذه الحرب من أبرز المواجهات العسكرية في تاريخ الصراع العربي-الإسرائيلي، خصوصًا منذ هزيمة حرب يونيو 1967. في ذلك اليوم من عام 1973، شنت مصر وسوريا هجومًا مفاجئًا ضد القوات الإسرائيلية بهدف استعادة الأراضي المحتلة في سيناء والجولان. عبرت القوات المصرية قناة السويس محطمة خط بارليف، فيما تقدمت القوات السورية على جبهة الجولان.

معركة يوم الغفران

لم تكن الحرب مجرد مواجهة بين ثلاث دول، بل تحولت إلى ساحة اختبار للإرادات الإقليمية، حيث لعب الجيش العراقي دورًا استثنائيًا لا يزال محفورًا في الذاكرة العربية. على الرغم من أن القيادة العراقية، بقيادة أحمد حسن البكر، لم تُبلّغ سابقًا بموعد الهجوم، إلا أن العراق أعلن الحرب على إسرائيل في اليوم التالي. يُشاع أن السبب يعود إلى اختلاف الرؤى السياسية؛ بينما كانت القيادتان المصرية والسورية تسعيان لاستعادة أراضيهما، كان العراق يطالب بحرب تحرير شاملة تشمل فلسطين. ومع بداية الحرب، أرسل العراق رسالة إلى شاه إيران للمطالبة بخفض التوتر، ولكنه سرعان ما انخرط بشكل كامل، مُرسلًا قواته الجوية والبرية إلى الجبهتين المصرية والسورية.

أرسل العراق نحو عشرين طائرة مقاتلة إلى الجبهة المصرية، ليكون أول جيش عربي يلتحق بالجبهة بعد القوات المصرية. ورغم عدم ضخامة عدد القوات، إلا أن الرسالة السياسية والعسكرية كانت واضحة: العراق حاضر بفعالية في معركة مصر وسوريا. على الجبهة السورية، أرسل العراق أكثر من 18 ألف جندي، مدعومين بتشكيلات مدرعة وجوية، حيث لعب هؤلاء الجنود دورًا حاسمًا في منع سقوط دمشق أمام الهجوم الإسرائيلي. وقد خسر الجيش العراقي العديد من الشهداء الذين خُصصت لهم مقبرة في دمشق، تشهد على التضامن العربي في لحظة تاريخية.

تشير العديد من الدراسات إلى أن مشاركة العراق في حرب تشرين كانت أبرز تدخل عربي من حيث سرعة التحرك وحجم القوات. بينما كان دور العراق على الجبهة المصرية استراتيجيًا، كان على الجبهة السورية مصيريًا، حيث مُني الجيش الإسرائيلي بخسائر كبيرة. إن تلك المشاركة أظهرت قدرة الجيش العراقي على الانخراط في حروب قومية كبرى. رغم التأثير الكبير الذي تركته تلك الحرب، إلا أن الأحداث التي تلت عام 2003 أدت إلى تراجع الدور العراقي الإقليمي، حيث تحول الجيش من قوة فاعلة إلى قوة منشغلة بتحدياتها الداخلية.

تعزز هذه الفجوة الزمنية من إدراك الفارق بين الماضي والحاضر، حيث أصبحت عراق اليوم تعاني من ضعف التأثير في مجرى الصراع العربي-الإسرائيلي. ومع ذلك، تبقى ذكريات حرب تشرين جزءًا من تاريخ العصر الذهبي للجيش العراقي كفاعل رئيسي في المعادلة العربية، مذكرًا العالم بأنه كان قادرًا على حماية أحد العواصم العربية من السقوط.