جاذبية سرى: روح الفن وجسر إلى الذاكرة
يصعب علينا تصديق أن جاذبية سرى كانت ستحتفل هذا العام بذكراها المئة، فبعد أن أمضينا وقتًا طويلاً أمام لوحاتها، تأسرنا ألوانها، وتتجلى لدينا مشاعر مختلطة بين سحر وجمال، وبين حزن وذكرى. لم تكن مجرد فنانة، بل كانت لبًا نابضًا وروحًا حية لكل من سعى للجمال والعزاء في خضم صراعات الحياة.
فنانة الألوان والمعاني
بدأت جاذبية مسيرتها الفنية في القاهرة، حيث درست في معهد التربية الفنية العالي، حاملة معها إصرارًا على إبراز هويتها الخاصة. ومع دراستها في بلدان مثل إيطاليا وفرنسا وأمريكا، وسعت آفاقها دون أن تفقد جذورها المصرية، فهي عادت بجدول فني فريد يعكس ملامح مصر ويصبغها بلونها الخاص.
كانت تؤكد دائمًا أن “الفن هو حياتي”، وليس قولًا مجازيًا، بل تعبير حقيقي عن ذاتها، حيث تتعبر كل لوحة عن جزء من قلبها. تألمت مع مصر وعبرت عن معاناتها من خلال ألوان قاتمة، وفي لحظات الفرح عقب انتصار أكتوبر، تجلت أشكال البهجة في لوحاتها بألوان زاهية تمثل انتصار الأمل بعد العواصف.
كانت الحرية نبراس فنها، فليس فناً زائداً، بل عبارة عن صرخة مقاومة ووسيلة للبقاء في مواجهة التحديات. واجهت القيود والرقابة، ورغم ما تعرضت له كامرأة في عالم يصر على إسكات الصوت النسائي، لم تسمح يوماً لأي شيء أن يقيّدها، بل حولت آلامها إلى رؤية فنية وابتكار جميل.
لم تكن جاذبية سرى وحدها في رحلتها، فقد رافقها أصدقاء مبدعون مثل إنجى أفلاطون وتحية حليم، معًا أثرو الثقافة العربية وأبدعوا في فن حديث يمثل الوجدان المصري. لقد كانت رمزًا للحداثة، وبينما احتفت بها العواصم العالمية، بقيت تحمل عبق الوطن أينما ذهبت.
ما جذب الناس لم يكن فقط موهبتها، بل أيضًا طاقتها وحماسها الدائم. رغم انفعالاتها السريعة، تمتاز برقة إنسانيتها وكرمها، وصورتها المميزة وهي تدخن سيجارة تعد رمزًا من رموز التحدي والقوة.
لوحاتها كانت تجسيدًا للحياة، لا مجرد ألوان على قماش، حيث تعكس حركة دائمة وتحولات رائعة، وقد أعادت صياغة الأحداث كرموز تعبر عن عمق الإنسان ومعاناته.
واليوم، بمناسبة مئويتها، تكريمها في قاعة الزمالك للفن يحمل طابع الحب والامتنان، إذ تُعرض لوحاتها لتذكيرنا بلحظات زاخرة بالذكريات. وقد تحدثت ناهدة خورى عن مشاعرها خلال إعداد المعرض وتخصيصها جدارًا لشهادات التقدير التي حصلت عليها جاذبية.
تحتوي المعرض على مجموعة من أعمالها على مر العقود، حيث تمتزج فيها مشاعر الحزن بالتحدي، وتعود الألوان في التسعينيات والألفينيات لتغني في تناغم جديد. وتختتم المسيرة بلوحة وداعية، لكنها تبعث الحياة والأمل.
مرت مئة عام، وكلماتنا تبدو صغيرة أمام إرثها الذي لا يزال مضبوطًا بالألوان والجمال. جاذبية سرى قدمت لنا أكثر من فن، فقد منحتنا قلبها وشجاعتها. اليوم، نحتفي بها وبألوانها التي لا تزال تشع حياة، جريئة وجميلة إلى الأبد. لم تعش جاذبية الفن فحسب، بل أصبحت جزءًا من الفن ذاته، وهذا هو أعظم إرث لها.
تعليقات