اليوم الوطني العراقي: رمز السيادة والاستقلال
يُعتبر الثالث من تشرين الأول يومًا تاريخيًا بارزًا في مسيرة العراق الحديث، حيث يُحيي ذكرى استقلال البلاد الذي تحقق عام 1932، والذي رافقه انضمام العراق إلى عصبة الأمم، ليصبح بذلك أول دولة عربية تنال هذه العضوية. لم يكن هذا الحدث مجرد تحول من الانتداب البريطاني إلى الاستقلال، بل هو نقطة انطلاق أسست لوجود العراق كدولة ذات سيادة على الساحة الدولية. وقد تم اعتماد هذا اليوم عيدًا وطنيًا رسميًا، ليكون فرصة لاستذكار قيم السيادة والوحدة وتجديدها. ومع حلول الذكرى هذا العام، يبرز تساؤل حول قدرة العراق على تحويل رمزية هذا اليوم إلى واقع ملموس يعزز من الثقة الوطنية ويعكس قيم الاستقلال من خلال سياسات فعالة تستجيب لتحديات الحاضر.
تاريخ تأريخي ورمزية وطنية
بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وسقوط الإمبراطورية العثمانية، وقع العراق تحت الوصاية البريطانية وفقًا لصك الانتداب. ومع تطور مؤسسات الدولة وتحديد حدودها، تقدّم العراق بطلب الانضمام إلى عصبة الأمم عام 1932، ليصبح أول دولة عربية تُعترف بها كدولة مستقلة. يُعتبر هذا التاريخ علامة فارقة في الوعي الوطني العراقي، ورغم إقرار بعض الدعوات للاحتفال بتواريخ أخرى مثل 14 تموز 1958 أو 9 نيسان 2003، ظل الثالث من تشرين الأول يتمتع بقبول واسع كعيد وطني يمثل الاستقلال والاعتراف الدولي بحقوق العراق سياديًا.
من الجهة القانونية، لم يُحدد الدستور العراقي صراحةً يومًا وطنيًا، مما جعل القرار من اختصاص التشريع. وقد أقرّ مجلس النواب في عام 2020 الثالث من تشرين الأول عيدًا وطنيًا رسميًا، مما يعكس أهمية هذا اليوم في تعزيز الهوية الوطنية في بلد تتميز بتنوعها السياسي والطائفي. وفي الجانب السياسي، يُستخدم هذا اليوم لتسليط الضوء على قيم السيادة والوحدة، وتذكير جميع المكونات بحاجة العراق إلى توافق وطني يعزز من التماسك الاجتماعي.
تتشابك مظاهر الاحتفال هذا العام مع فعاليات رسمية مكثفة، حيث دعا رئيس الوزراء محمد شياع السوداني الوزارات والمحافظات إلى إحياء هذه المناسبة من خلال رفع العلم وتنظيم أنشطة ثقافية واجتماعية. كما أعدت وزارة الدفاع مناورات احتفالية تتضمن إطلاق مدفع بمناسبة اليوم الوطني، إلى جانب تحليق طائرات عراقية في سماء بغداد، مما يعكس قوة الدولة وقدرتها على التعبير عن معاني السيادة والوحدة أمام الجمهور.
يمثل الثالث من تشرين الأول مناسبة لجمع القلوب في وضع يعاني من تحديات جذرية سياسية واقتصادية وأمنية. وهو أيام لتجديد الشعور بالانتماء الوطني في وجه الانقسامات وتأكيد أن تأسيس الدولة العراقية كان نتيجة الاعتراف الدولي. إلا أن أهمية هذه الرمزية تبقى غير مكتملة ما لم تُترجم إلى سياسات عملية تعزز العدالة وتستجيب لمطالب المواطنين، مما يتطلب بناء جسر من الثقة بين الدولة والمجتمع. اليوم الوطني ليس مجرد احتفال، بل هو اختبار مستمر لقدرة الدولة على تجسيد الوحدة الوطنية، وتحقيق الالتزام الدائم بالسيادة. إذا استمرت الاحتفالات في إطارها الشكلي فقط، فإنها قد تفقد معناها الحقيقي، بينما يمكن استثمارها في تعزيز الثقة بين المواطن والدولة لنؤكد أن العراق بحاجة إلى إحياء يومه الوطني كفرصة لإعادة بناء الهوية الوطنية المشتركة.
تعليقات