انتخبوا الفاسدين: المنابر الدينية تتحول إلى سلاح حزبي وطائفي في معركة جمع الأصوات

استغلال المنابر الدينية في العملية الانتخابية في العراق

تعتبر المنابر الدينية في العراق دعائم أساسية في النسيج الاجتماعي والثقافي، حيث ينظر المجتمع إليها كفضاء مخصص للوعظ والإرشاد وتعزيز القيم الروحية. ومع ذلك، تحوّلت هذه المنابر بعد التغيرات السياسية التي شهدها العراق منذ عام 2003، وصعود الإسلام السياسي، إلى أدوات للدعاية الانتخابية. فقد باتت بعض المساجد والحسينيات تُستخدم للترويج المباشر للمرشحين والكتل، وتحولت أحياناً إلى منصات تعبير مذهبية وطائفية، وصلت إلى درجة الدعوة لانتخاب أشخاص متهمين بالفساد فقط لأنهم ينحدرون من مذهب معين.

توظيف المنابر كأدوات سياسية

يشكل الاستخدام السياسي للمنابر انحرافاً عن وظيفتها الأساسية ويعكس اختلالاً في التوازن بين الدين والسياسة، مما يثير تساؤلات عميقة حول دور المرجعيات وحدود القانون، وأثر الإسلام السياسي في تشكيل العملية الانتخابية. وقد أشار المراقب السياسي رياض الوحيلي إلى قلق متزايد بشأن استغلال المنابر الدينية من قِبل بعض المرشحين مع اقتراب موعد الانتخابات، محذراً من ضرورة أن تظل هذه المنابر مخصصة للوعظ والإرشاد بدلاً من تحويلها إلى أدوات دعائية.  

وتُظهر الأبحاث أن هذه الظاهرة تفقد المنبر حياده المعنوي، مما يُدخل المؤسسات الدينية في منافسة تهدد مكانتها الاجتماعية. ويُسلط الضوء على أن غياب نصوص قانونية تمنع تسييس المنابر يمنح الأحزاب فرصة واسعة لاستغلال الرمزية الدينية في حشد الأصوات. واستناداً إلى فهم ديني-قانوني، يُعتبر المنبر أمانة تجاه المجتمع وليس ملكية شخصية، مما يجعل تحويله إلى أداة انتخابية انتهاكاً للقدسية.

ووفقاً للتحاليل، فإن الضغوط الحزبية ووجود مصالح اجتماعية تُساعد في إدماج الخطباء في اللعبة السياسية، لا سيما في البيئات التي يسيطر فيها الإسلام السياسي. ويرتبط استغلال المنابر بصعود الأحزاب الإسلامية منذ عام 2003، حيث تم توظيف الخطاب الديني، سواء في الحسينيات أو خطب الجمعة، لإنتاج حالة من التعبئة الانتخابية. والأسوأ هو تحول هذه الدعاية إلى ترويج مذهب وطائفي صريح، مما يؤدي إلى تبرير انتخاب الفاسدين استناداً إلى انتمائهم المذهبي. تأكيد المرجعيات على ضرورة الفصل بين المنبر والسياسة لم يُترجم إلى إجراءات عملية، مما تعززه الحاجة إلى آليات رقابية فعالة لضبط هذه الممارسات.