السعودية والإمارات: رواد في تنظيم الفضاء الرقمي

تحدثت في أكثر من مناسبة حول ضرورة وجود قانون خاص لتنظيم وسائل التواصل الاجتماعي بما يتعلق بالدعاية والإعلانات، بما يضمن وضع ضوابط واضحة لنشاط المشاهير. ولعل المشكلة الرئيسية تكمن في أن العديد من المعلنين لا يهتمون بما يروجون له، حيث يصبح الربح المادي هو المعيار الأول، حتى وإن كانت المنتجات أو الخدمات المقدمة بلا قيمة أو تشكل ضرراً مباشراً على المستهلك. هذا الخلل يتطلب معالجة تشريعية فورية، في ظل أن الفضاء الرقمي أصبح الأكثر تأثيرًا في سلوكيات الناس.

أهمية التشريعات لوسائل التواصل الاجتماعي

لقد اتخذت المملكة العربية السعودية خطوة ملحوظة في هذا الإطار من خلال إطلاق نظام “موثوق”، الذي يُلزم أي مؤثر يحصل على أرباح من الإعلانات بالحصول على ترخيص رسمي من الجهات المعنية. ومن أبرز جوانب هذا النظام القوانين الأخيرة التي وضعت معايير دقيقة على صناعة المحتوى، مثل منع التفاخر بالممتلكات الفاخرة، وتحظر تصوير الأطفال أو العمالة المنزلية في محتويات الحياة اليومية، كما تحظر السلوكيات أو المظاهر غير المحتشمة التي قد تسيء للذوق العام. تهدف هذه الإجراءات إلى تنظيم الرسائل الموجهة للجمهور وحماية المجتمع من الأشكال الاستهلاكية السطحية التي قد تساهم في خلق فجوات اجتماعية أو استغلال الفئات الضعيفة.

تجارب الدول في تنظيم الفضاء الرقمي

من بين الدول الرائدة في تقنين وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام العام كانت الإمارات، حيث وضعت نظامًا متكاملاً لترخيص المؤثرين وجعلتهم جزءًا من المنظومة الإعلامية الرسمية. اللافت في الأمر هو تأكيدها على مسألة الهوية الوطنية، إذ لا يُسمح لغير الإماراتيين بتمثيل الدولة أو الحديث باسمها في الإعلانات، مما يعكس الوعي بأن صورة الإمارات ليست مجالًا للاجتهاد الفردي، بل هي مسألة سيادية تتطلب حماية قانونية ومعايير محددة. وتوضح هذه التجارب بوضوح كيف أن الفضاء الرقمي اليوم يعد واجهة تعكس صورة الدولة أمام كل من الداخل والخارج.

تسليط الضوء على هاتين التجربتين يعكس دروسًا مهمة، أولاً أن الإعلان الرقمي أصبح نشاطًا جوهريًا يحتاج لقوانين مثل باقي الأنشطة الاقتصادية. ثانياً، غياب التشريعات يؤدي إلى الفوضى، مما يجعل المتابع ضحية للإعلانات المضللة والرسائل غير المسؤولة. ثالثاً، فإن الهوية الوطنية يمكن أن تُستغل في مواقف غير مناسبة إذا لم يكن هناك تنظيم واضح. في البحرين، تزداد الحاجة لتقنين وسائل التواصل، وإصدار تشريعات خاصة بالمنصات التي باتت المصدر الرئيسي للأخبار والمعلومات، حيث أن أي انفلات في هذا المجال ينعكس بشكل مباشر على المجتمع.

لذا يجب أن يكون هناك قانون يحدد شروط الترخيص للمؤثرين، وآلية للإفصاح عن المحتوى المدعوم وضوابط تحمي الذوق العام والخصوصية الأسرية. وجود مثل هذا التشريع سيساهم في تعزيز مصداقية السوق المحلي، ويعزز ثقة المستهلك، كما يضع المسؤوليات بشكل واضح أمام المؤثرين. إن التشريعات الخاصة بوسائل التواصل الاجتماعي أصبحت ضرورة ملحة، فالإعلانات المقدمة من المشاهير، وما تحمله من تأثير كبير، تستدعي وجود إطار قانوني ينظم المسؤوليات ويمنع التلاعب. تعكس التجارب السابقة في السعودية والإمارات أن التنظيم يعزز المصداقية، ويحمي المجتمع من مظاهر الاستعراض والاستهلاك المفرط، مما يمنح الفضاء الرقمي صفة أكثر جدية. نحن بحاجة إلى خطوات مواتية لتحويل المؤثرين إلى شركاء في بناء الثقة، وكذلك لتحقيق استخدام الإعلانات كأداة لخدمة الاقتصاد والمجتمع، بدلاً من كونها وسيلة سريعة للربح على حساب المتابعين، وهذا هو السبيل لتطوير المنصات الرقمية وتحويلها إلى مناطق للإنتاج والمعرفة والتواصل المسؤول، مما يعزز مكانة الدولة ويحمي صورة المجتمع.