اليوم العالمي للترجمة
في الثلاثين من سبتمبر من كل عام، يتوجه الانتباه إلى دور المترجمين، هؤلاء الأبطال غير المرئيين خلف النصوص التي تتجاوز حدود الثقافات واللغات، احتفاءً باليوم العالمي للترجمة. يتم اختيار هذا التاريخ تخليدًا لذكرى القديس جيروم، أحد أبرز المترجمين في التاريخ، الذي قام بأول ترجمة شاملة للكتاب المقدس إلى اللغة اللاتينية، مما ساهم في تعزيز فهم النصوص الدينية في سياقات ثقافية مختلفة.
الاحتفال بالترجمة
يأتي الاحتفال هذا العام تحت شعار «الترجمة، صياغة مستقبل جدير بالثقة»، معبرًا عن التحولات الكبيرة التي يشهدها هذا المجال، خاصة مع تطور أدوات الذكاء الاصطناعي وانتشار استخدامها في الترجمة الآلية. وفقًا للاتحاد الدولي للمترجمين، يعكس هذا الشعار أهمية الثقة البشرية ويؤكد على الدور الأساسي للمترجمين التحريريين والشفويين والمتخصصين في المصطلحات لضمان تواصل موثوق والمساهمة في حوار مستدام.
كما أشار الاتحاد إلى مسؤولية هؤلاء المحترفين في ضبط المحتوى الناتج عن أدوات الذكاء الاصطناعي، حيث أن النصوص التي تنتجها تلك الأدوات تتطلب تدقيقًا لغويًا ومراجعة ثقافية لا يمكن للبرمجيات القيام بها بمفردها.
على الصعيد المحلي في مصر، التي تُعتبر من الدول الرائدة في الترجمة عربياً، يولي المركز القومي للترجمة اهتمامًا خاصًا بهذا اليوم، حيث ينظم احتفالية بعنوان «يوم المترجم» في قاعة السينما بمركز الإبداع الفني بدار الأوبرا المصرية، برئاسة الدكتورة رشا صالح. وقد تم تأسيس المركز بقرار جمهوري في أكتوبر 2006 كامتداد للمشروع القومي للترجمة الذي انطلق في 1996 على يد وزير الثقافة الراحل جابر عصفور، ويواصل مهمته في ردم الفجوة المعرفية بين العالم العربي وبقية العالم من خلال ترجمة الآلاف من الكتب من حوالي 35 لغة، مع التركيز على الترجمة من اللغة الأصلية وليس عبر لغة وسيطة، وتحقيق توازن بين مختلف التخصصات مثل الأدب والعلوم والفلسفة والعلوم الاجتماعية.
يؤكد المركز دائماً أن المترجم ليس مجرد ناقل آلي للكلمات، وإنما هو صانع معرفة ومهندس ثقافي. وقد أوضحت المديرة السابقة للمركز، الدكتورة كرمة سامي، أن الترجمة ليست مهمة تقنية فحسب، بل هي فعل ثقافي يتطلب الإحساس العميق بلغة النص وسياقه الثقافي. ويسعى المركز أيضًا لتعريف القارئ العربي بالأعمال الكلاسيكية والمعاصرة، مع رفع جودة الترجمة إلى معايير عالمية.
على المستوى العالمي، تشمل فعاليات هذا اليوم ورش العمل والندوات والمعارض، مثل الفعالية التي نظمها «معهد اللغويين المجازين» في المملكة المتحدة، حيث شهدت ندوة افتراضية تفاعل نحو 300 مترجم من مختلف أنحاء العالم. وتم إجراء استطلاع بين المشاركين أظهر أن بعضهم متحمس لاستخدام أدوات الترجمة الذكية لزيادة الكفاءة والإنتاجية، بينما عبر آخرون عن القلق من تأثير التحولات الرقمية السريعة على مستقبل مهنتهم.
جدير بالذكر أن العديد من المترجمين المستقلين قد أشاروا إلى تراجع الأجور وزيادة الضغوط من العملاء، الذين يقترحون استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لتقليل التكاليف، مما يضع المترجمين أمام تحديات جديدة وغير مسبوقة. يعكس هذا التباين في الآراء وجود توتر بين الفرص التي تتيحها التكنولوجيا والتحديات التي تفرضها على المترجمين البشر. وقد أكد مصطفى عوض، مدير دار فكر للنشر والتوزيع، على أن الإبداع الثقافي للمترجم البشري يبقى أساسًا لأي عمل ترجمي جاد. وأوضح أن الذكاء الاصطناعي قد يُساعد في عملية الترجمة، لكنه يفتقر إلى القدرة على فهم الإحساس اللغوي وروح النصوص، وخصوصًا في الأعمال الأدبية مثل الروايات والشعر.
بهذا، يبقى التساؤل حول إمكانية الاعتماد على الذكاء الاصطناعي لترجمة الأعمال الكاملة قائمًا، حيث أشار عوض إلى أن الكلمة الواحدة قد تحمل معاني متعددة، مما يتطلب وعيًا ثقافيًا لا يمكن برمجته. كما أضاف أنه مثلما لا يمكن قبول كتابة الروايات بواسطة الذكاء الاصطناعي، فلا ينبغي أن نسمح له بترجمة الأعمال الأدبية الكاملة.

تعليقات