الأدب كأثر حقيقي
لا يتم قياس الأثر من خلال الضوضاء، بل من خلال ما يتركه الفعل الهادئ حين يتحدث بلغة الإنجاز. تعكس جمعية الأدب المهنية هذا المفهوم من خلال حرصها على نحت حضورها بخيوط العمل الجاد، لتبرهن أن الأدب يمكن أن يُصنع مسارًا متجددًا عندما يوجد من يؤمن به كمشروع تطبيقي بدلًا من كونه مجرد هواية.
الأدب كمشروع متكامل
على مدار عدة أشهر، تمكنت الجمعية من وضع خارطة تضم مجموعة من المبادرات التي تتجاوز السطح إلى عمق الفكرة، مقدمةً بذلك نموذجًا فريدًا لمؤسسة ثقافية تعمل بعقلية مخططة وبلغة مؤثرة. من خلال مشروع “أديب”، تتيح الجمعية الفرصة لظهور جيل جديد من الكتاب في مجالات الشعر الفصيح والشعبي، والقصة والرواية. ليست هذه هي العملية التي تتم من خلال النظريات أو الخطاب الثقافي، بل تأتي عبر منتج إبداعي مطبوع يُظهر بصمة الموهبة، مما يوفر تجربة حية تعكس الوجود الأدبي الحقيقي.
عندما توجهت الجمعية نحو تحويل الأدب السعودي إلى سيناريو، لم تكن مجرد إعادة إنتاج لدعوة ظاهرة، بل كانت مبتكرة جسرًا بين الأدب والسينما، بين الخيال اللغوي والصورة البصرية، مؤكدةً أن الأدب السعودي لا يجب أن يقتصر على الكتب فحسب، بل يمكن أن يتجلى أيضًا على الشاشة ويؤثر في مفهوم الوعي الفني.
تشكل الورش الأدبية المنفذة من قبل الجمعية الجانب العملي الآخر للثقافة، حيث تطرحها كمهارة بدلاً من كونها ترفًا. في تلك الورش، يلتقي الكتاب الجدد بالكتّاب المحترفين في بيئة تشجع على التجريب وتمنحهم فرصًا لاكتساب الخبرة، مما يؤدي إلى تراكم معرفي يرتقي بجيل يتعامل مع الأدب باعتباره حرفة لا مجرد هواية.
كما أن الأدب بدون نقد سيكون بمثابة صدى ناقص، ظهرت مبادرة “فضاءات نقدية” لتعيد النقد إلى موضعه في الساحة الأدبية، حيث اجتمع أربعة عشر ناقدًا من سبع جامعات سعودية لدراسة العلاقة بين حدود الأجناس وحرية الإبداع، ونتج عن ذلك كتاب ضخم في فكرته وقيمته، مما يبرز أن الوعي النقدي هو جزء أساسي من مسؤولية التنمية الثقافية.
ما يميز هذه التجربة ليس مجرد عدد المشاريع أو كثرتها، بل الروح المؤسسية التي تتبناها، حيث تسعى لتحقيق التوازن بين الجودة والمواعيد الزمنية، مما يسمح لكل فكرة بأن تأخذ وقتها في النضوج دون استعجال، إذ يمتد كل مشروع بين عشرة أشهر إلى عام كامل. تؤمن الجمعية بأن الأدب لا يقاس بعدد الفعاليات بل بنوعية المنتج وعمق أثره.
تعليقات