تصعيد الأوضاع في العراق: واشنطن تتهم الفصائل والحكومة بعرقلة الاستثمار

استثمار في العراق

يتجلى خطاب الاستثمار في العراق من خلال صورتين متوازيتين، حيث تعكس الصورة الرسمية وجود استقرار نسبي وإصلاحات تشهدها البيئة الاستثمارية مع تنامي انفتاح الشركات الأجنبية، بينما تظهر الصورة الميدانية مخاوف أمنية وتنظيمية وقانونية تؤدي إلى رفع كلفة المخاطرة وتعقيد قرارات رؤوس الأموال. هذا التباين يرتبط بصورة مباشرة بالبنية السياسية للعراق منذ عام 2003، إذ أسس الدستور قواعد تشجيع نمو القطاع الخاص وتقديم الحماية للاستثمارات، لكن الأوضاع الأمنية تعكس واقعًا مختلفًا يهيمن عليه الفصائل السياسية وتوازنات القوى.

تمويل في العراق

تشير تقارير المؤسسات الدولية إلى وجود تناقض بين جهود الاقتصاد العراقي في تنويع مشاريعه، خاصة في مجالات الطاقة والبنية التحتية، وبين تراجع مؤشرات الاستثمار الأجنبي المباشر على مستوى العالم. تسجل البيانات الدولية تراجعًا مستمرًا في مستوى هذه الاستثمارات منذ عام 2024، وهو ما يعكس تأثيرات غير إيجابية على المنطقة ككل وليس فقط على العراق. من الضروري وضع هذه السياقات العالمية في اعتبارنا لفهم حساسية أي تحذير يصدر عن العواصم الكبرى أو بعثات دبلوماسية، حيث يتم تصوير الجدل الداخلي كصراع بين الترحيب الحذر والمخاطر المحتملة ضمن أبعاد اقتصادية وعالمية متقلبة.

أكد المستشار الاقتصادي في السفارة الأمريكية في بغداد أهمية وجود أمان لاستقطاب الاستثمارات، مشيرًا إلى تأثير الجماعات المسلحة الضالعة في سلوك السوق ومخاطرها على بيئة الأعمال. هذه التصريحات لا تتهم الفصائل فقط، بل تعكس أيضًا نقدًا لحكومة تعاني من ضعف آليات المحاسبة القانونية التي تعيق فرص الاستثمار. من جهة أخرى، اعتبر عدي عبد الهادي، عضو الإطار التنسيقي، أن التحذيرات الأمريكية تستهدف أهدافًا سياسية، غير أن تجارب الأسواق الأخرى تُظهر أن الشركات الأجنبية تأخذ هذه التحذيرات بجدية وتؤثر على استراتيجياتها الاستثمارية.

كما أشار عبد الهادي إلى أن هناك العديد من الشركات العربية والأجنبية العاملة في العراق، محذرًا من أن الوضع الاستثماري يختلف باختلاف المناطق. ففي الوقت الذي تشهد فيه إقليم كردستان تواجدًا قويًا للأعمال، يظل الوسط والجنوب في حالة تباين. هذا يشير إلى أن الجميع يجب أن يدرك أن البيئة الاستثمارية ليست متجانسة، والتحدي في جوهره يتجاوز المخاطر الأمنية ليشمل التوافق المؤسسي المفقود الذي يعطل حركة رأس المال.

على الرغم من الطموحات الحكومية في جذب المزيد من الاستثمارات عبر مشاريع ضخمة، إلا أنه ما لم يتم دعم هذه الجهود بإصلاحات قانونية وتشريعية فسيظل تأثيرها محدودًا. وفقًا لتقارير الأمم المتحدة، فإن تراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة يتطلب من العراق بذل المزيد من الجهود لتقديم حوافز وشروط تنافسية في مواجهة بيئات الاستثمار الأكثر استقرارًا في المنطقة. تشير التحليلات إلى أن تحقيق نمو مستدام في الاستثمار يحتاج إلى وجود مؤسسات قوية وقوانين صارمة لضمان حماية المستثمرين من المخاطر المحتملة.

في النهاية، يظهر المشهد استمرارية توتر بين الاعتراف بالاستقرار النسبي والإصلاحات من جهة، والقلق بشأن الفجوات القانونية والأمنية من جهة أخرى. بناءً عليه، سيكون مستقبل الاستثمار معتمدًا على القدرة على تضييق الفجوة بين الفرص المعلنة والبنية التحتية القانونية والمؤسسية المتمكنة. هذا الأمر يمثل تحديًا كبيرًا لتحقيق تحول فعلي من بيئة الفرص النظرية إلى واقع استثماري ملموس.