سلامة الغذاء في رؤية السعودية 2030
تشهد المملكة مسلسلًا من التحولات الكبرى ضمن رؤية السعودية 2030، حيث تأتي سلسلة من القرارات التي تضع المواطن والمقيم والزائر في صميم أولوياتها، مع التأكيد على ارتباط جودة الحياة بالصحة والاقتصاد والاستثمار. من بين هذه القرارات المهمة هو ما أعلنته وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان مؤخرًا بشأن إلزام المطابخ المركزية بتعيين أخصائي سلامة غذاء معتمد، كشرط لمزاولة النشاط، مما يضمن تنفيذ أعلى معايير السلامة الصحية. هذا القرار، الذي نشرته وكالة الأنباء السعودية (واس)، يعكس فهمًا عميقًا بأن الغذاء ليس مجرد منتج، بل عنصر أساسي للحياة يستحق الاهتمام والحماية.
أهمية الأخصائيين في سلامة الأغذية
هذا التوجه يأتي في إطار وعي متزايد بأن الغذاء الآمن هو القاعدة الأساسية للصحة العامة، وأن أي ثغرة في نظام المراقبة قد تشكل تهديدًا مباشرًا للمجتمع. وجود أخصائي سلامة غذاء معتمد يعني أن كل وجبة تُجهز في هذه المطابخ تمر عبر يد خبيثة ومدربة على تطبيق المعايير العالمية للنظافة والتخزين والنقل والإعداد. يعتبر هذا الانتقال بمثابة نقلة نوعية من الرقابة التقليدية إلى الرقابة العلمية المتخصصة، مما يواكب التطورات العالمية في صناعة الأغذية.
الصحة تبدأ من المائدة، وعندما تتأكد الأسر من أن الوجبات التي تصل إلى منازلهم أو إلى مدارس أطفالهم أو أماكن عملهم قد تمت مراقبتها من قبل متخصصين في مجال السلامة الغذائية، فإن ذلك يبعث شعورًا عميقًا بالطمأنينة. تشير دراسة حديثة من وزارة الصحة السعودية إلى تسجيل 42,079 حالة من الأمراض المعدية المنقولة عبر الغذاء في الفترة من 2017 إلى 2023، مما يبرز أهمية وجود أخصائيين معتمدين لضمان تقليل هذه الأعداد وخفض العبء على النظام الصحي.
يشهد قطاع المطاعم والفنادقة في المملكة طفرة غير مسبوقة مع زيادة عدد السكان والزوار، حيث بلغ عدد الزوار 106 ملايين في عام 2023، منهم 27.4 مليون زائر دولي. في مثل هذه البيئة المتنامية، يصبح عنصر الثقة عاملًا حاسمًا لجذب الاستثمارات، حيث يسعى المستثمرون، سواء كانوا محليين أو دوليين، للتأكد من أن السوق يخضع لمعايير صحية واضحة. من هنا، يصبح وجود أخصائي سلامة غذاء ليس مجرد شرط تنظيمي، بل يمثل ميزة تنافسية تعكس نضج البيئة الاستثمارية السعودية.
وقد خصصت رؤية السعودية 2030 برنامجًا محوريًا يحمل اسم جودة الحياة، الذي يهدف لتحسين نمط الحياة ورفع مؤشرات الصحة العامة وتقديم بيئة حضرية آمنة وصحية. يتماشى قرار إلزام المطابخ المركزية بوجود أخصائي صحة غذاء معتمد مع هذا البرنامج، حيث تجمع بين حماية صحة الأفراد وتعزيز الاقتصاد الوطني. فعندما يكون الغذاء آمنًا، يعزز ذلك إنتاجية الأفراد، ويقلل من تكاليف الرعاية الصحية، مع زيادة ثقة المستثمرين والسياح في السوق السعودية.
يعتبر الغذاء بوابة ثقافية تعكس شعوب العالم. وكل سائح يزور المملكة للتمتع بموسم الرياض أو العمرة أو الفعاليات العالمية، يحمل انطباعًا حول السعودية يبدأ من جودة الطعام الذي يتناوله. لذلك، يسهم هذا القرار في تعزيز الهوية الوطنية من خلال جودة المطاعم والفنادق والمطابخ. في جوهره، ليس هذا القرار مجرد نص تنظيمي، بل هو وعد بأن المواطن والمقيم والسائح في المملكة لن يتعين عليهم القلق بشأن سلامة غذائهم، إذ تأخذ الدولة على عاتقها ضمان ذلك قبل وصول الوجبة إلى الطاولة. هذا الوعد يعزز الطمأنينة في البيوت ويرفع من ثقة المجتمع في المؤسسات، مما يخلق بيئة يشعر فيها الجميع بأن حياتهم اليومية جزء من مشروع وطني أكبر.
تعليقات