التحولات الديموغرافية في العراق
تشهد المدن العراقية تحولات سكانية معقدة، تشكلت جذورها خلال التسعينيات من القرن الماضي، عندما دفع الحصار والنزوح العديد من العراقيات إلى الزواج من أجانب في دول عربية وإسلامية متعددة. ومع تفاقم الأزمات الاقتصادية والمعيشية في هذه الدول، بدأت هذه العائلات بالعودة إلى العراق، مما أضاف تركيبات اجتماعية جديدة تسعى إلى الإدماج القانوني عبر إجراءات الإقامة والتجنيس. ورغم أن هذا التغير يبدو طبيعيًا، إلا أنه يثير تساؤلات حول مستقبل التوازن المجتمعي والهوية الثقافية في مناطق الاستقبال، لاسيما في ظل ضعف سياسات الدولة في إدارة التنوع.
التغيرات الاجتماعية وتأثيراتها
أبدى الخبير الاستراتيجي رياض الوحيلي قلقه من تلك المتغيرات، مشيرًا إلى ضرورة الحذر من التغيرات الديموغرافية المتزايدة في بعض المدن العراقية بسبب عودة عدد أكبر من العراقيات اللواتي تزوجن من أجانب. وأضاف، أنه من المهم إدارة هذه التحولات ضمن إطار وطني واضح يُراعي التوازن المجتمعي ويحفظ الخصوصيات الثقافية، محذرًا من إمكانية تحول مجتمعات وسط وجنوب العراق إلى أقليات في بيئاتها التاريخية. كما أن القانون العراقي يسمح لأبناء الأم العراقية باكتساب الجنسية، لكنه يفرض شروطًا صارمة على الأزواج الأجانب، مما يترك مجالًا لاجتهادات إدارية متنوعة قد تُستغل سياسيًا أو ديموغرافيًا.
تزداد المخاوف عندما تتركز العائلات العائدة في مناطق تعاني من ضعف الخدمات أو توترات اجتماعية، مما قد يؤدي إلى بيئة مُهيأة للانقسام أو تجديد التوترات الطائفية والإثنية. الأمر لا يتوقف عند التوازن الاجتماعي فحسب، بل يمتد إلى البعد السياسي، حيث تشير التوقعات إلى أن هذه التحولات قد تتحول إلى خزان انتخابي تُستغل لصالح فئات معينة، خصوصًا مع اقتراب الانتخابات. يبقى القلق قائمًا من إمكانية تحويل الديموغرافيا إلى أداة سياسية تؤثر على الخريطة السياسية بدل أن تكون عنصرًا طبيعيًا في النسيج الوطني.
تمثل التحولات الديموغرافية الحالية في العراق تحديًا كبيرًا لقدرة الدولة على إدارة التنوع وضمان التوازن الاجتماعي. فإن التعامل مع هذا الملف كموضوع إداري فقط لن يكون كافيًا، بل سيتطلب رؤية استراتيجية شاملة وضع ضوابط واضحة للتجنيس وتنظيم الزواج المختلط. من المهم تجنب استخدام هذه العودة كأداة في الصراعات السياسية أو الانتخابية، لأن ذلك قد يحولها من مصدر قلق إلى فرصة لإثراء المجتمع العراقي، بشرط إدارتها بحكمة وعدالة.

تعليقات