التهديدات الرقمية وتأثيرها على الأمن الوطني
لقد سلطت تصريحات بنيامين نتنياهو الضوء على تحول استراتيجي في أساليب الحروب، حيث أصبحت المنصات الرقمية مثل “تيك توك” أدوات فعالة في معارك اليوم. هذا النمط الجديد من الصراع لا يقتصر فقط على مواجهة العناصر العسكرية، بل يتعدى ذلك ليمس نسيج المجتمع ويضعف قدرة الدول على البقاء. في حالة العراق، التي تعد جبهة حساسة في خريطة التوتر الإقليمي، يمكن أن تتحول هذه المنصات إلى أدوات لتفكيك الضعف الاجتماعي وتعميق الأزمات بدلاً من تعزيز الاستقرار.
استراتيجيات مختلقة للنزاع الرقمي
الواقع العراقي يبرز بوضوح تحديات معقدة. فقد رصدت المؤسسات الأمنية آثار العنف الرقمي على الحياة اليومية، حيث أشار تقرير لوزارة الداخلية إلى دور بعض المنصات الإلكترونية في زيادة العنف والجرائم. هذا الأمر يدعو إلى وضع قيود على استخدامها. من جهة أخرى، تكشف دراسات علمية حول الابتزاز الرقمي واستغلال الفتيات في بث المحتوى المباشر، مما يعزز من ظاهرة التلاعب بالضحية لمصلحة منفعة اقتصادية سريعة. هذه السلوكيات لا تمثل انتهاكًا فرديًا فحسب، بل تفتح المجال لإعادة صياغة الاقتصاد الاجتماعي على نحو يتجاهل القيم الإنسانية الأساسية.
الجانب الاجتماعي والنفسي للخطر الرقمي يعتبر بُعدًا إضافيًا من تأثير تفكيك المجتمع. تشير الأبحاث إلى أن الأطفال العراقيين يقضون ساعات طويلة أمام الشاشات، مما يؤدي إلى مشكلات مثل اضطرابات النوم وتراجع التحصيل الدراسي. في ظل ظروف أقل استقرارًا كالعراق، من المحتمل أن تكون تداعيات هذه القضايا أكثر خطورة، حيث تفتقر البلاد لوسائل للتوعية والعلاج الفعال.
المسألة تتعمق أكثر عندما نأخذ بعين الاعتبار الاختراق المتوقع للأمن السيبراني. الشركات الكبرى مثل “تيك توك” تُعتبر اليوم ليس مجرد تطبيقات ترفيهية بل أدوات يُخشى من استخدامها في التجسس وغسل العقول. بهشاشة الموسم السياسي والاجتماعي في العراق، يصبح الأمن السيبراني مهددًا مباشرًا. إن استخدام المنصات الرقمية في الدول المستقرة يُعتبر تهديدًا للأمن القومي، فعندما يُستخدم في سياقات مثل العراق، يصبح التحدي أكبر وأكثر تعقيدًا.
ولتعزيز الأمن الوطني، يجب أن يتم اتخاذ خطوات سريعة وفعالة، تشمل تحسين الاتصالات الرسمية وتوسيع برامج التوعية الإلكترونية. من الضروري التعاون مع الشركات المتخصصة حيث يمكن لها أن تلعب دورًا هامًا في التعرف على الحملات الضارة وإيقافها. إضافةً إلى ذلك، ينبغي تطوير إطار قانوني يركز على مكافحة التضليل المعلوماتي ويعزز من تكامل وتشابك المجتمع ضد المخاطر الرقمية، مما يدعم التعايش بين مختلف مكوناته.
التحدي الذي يشكله “تيك توك” والمنصات المشابهة لا يتمثل فقط في التقنيات والبرامج، بل في فهم سياسي شامل للمسالة ومدى اعتبارها جزءًا من الصراع على السيادة. الاعتراف بأن هذه المنصات تستخدم كأداة لتفكيك المجتمعات يجب أن يحفز الدول على اتخاذ إجراءات استباقية لحماية الفضاء الرقمي والمحافظة على القيم الأساسية. بدون الدعم والبناء المؤسسي القوي، ستبقى الشروط قائمة لتعرض المجتمع لمخاطر مستدامة.

تعليقات