إسقاط النظام من خلال معارضة الخارج: هل يعود التاريخ أم يفرض الواقع مسارًا جديدًا؟

الاحتجاجات وماهية التغيير السياسي في العراق

في العراق، تتكرر بين الفينة والأخرى بروز حركات وشخصيات على وسائل التواصل الاجتماعي تدّعي تمثيل تيار تغييري أو معارضة للنظام القائم. هذه الظاهرة تثير نقاشًا متجددًا حول قدرة القوى الناشطة من الخارج على التأثير في الشأن العراقي، خاصة في ظل بيئة سياسية معقدة ترسخت بعد عام 2003. القوانين تكشف أن العراق يحكمه دستور أقرّه الشعب، وأسس لمبدأ التمثيل من خلال صناديق الاقتراع، مما يجعل أي محاولة لتجاوز هذا الإطار مرتبطة بمدى شرعيتها الدستورية والسياسية. يطرح هذا الأمر سؤالًا أساسياً: هل يمكن إنتاج طبقة سياسية جديدة من الخارج كما حدث بعد 2003؟

المعارضة السياسية وأبعادها الداخلية

النظام السياسي الحالي يعتمد على توزيع السلطة بين مكوناته، مستندًا إلى نتائج الانتخابات كمرجعية رئيسية للتمثيل. وقد أوضح عضو الإطار التنسيقي، عدي عبد الهادي، أن النظام مستند إلى خريطة اتفق عليها بين الأطراف المختلفة، حيث تمنح الانتخابات كل جهة حقّها من خلال عملية شفافة. ويعكس ذلك وعيًا مؤسسيًا بأن التغيير لا يتم عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو ضغط الخارج، وإنما من خلال العملية الانتخابية ذاتها. تشهد التجارب المقارنة أن الأنظمة المبنية على عقد اجتماعي دستوري تقاوم محاولات التغيير التي تتم بطرق غير مؤسسية. وقد بينت دراسات أنه من غير الممكن إعادة سيناريو 2003 في ظل واقع دستوري مختلف تمامًا عن الفراغ المؤسسي الذي ساد حينها.

تروج الحركات الناشطة من الخارج شعارات ترتبط بالوطنية أو الإصلاح، لكنها تعاني من غياب القاعدة الشعبية داخل العراق. كما أشار عبد الهادي إلى أن “تلك الحركات مجرد أوهام تفتقر إلى قاعدة شعبية، وهي مرفوضة حتى في الأوساط التي نشأت فيها”. ويتضح أن المعارضة الرقمية تعمل ضمن إطار ضيق، حيث يظل تأثيرها مقصورًا على البعد الإعلامي بدون إمكانية تحويله إلى حراك سياسي ملموس. تشير الأساليب السياسية الحديثة إلى أن القوة الرقمية قد تعطي زخمًا للخطاب، لكنها لا تكفي لإحداث تغيير بنيوي دون دعم اجتماعي فعلي. مقارنة بتجارب ما قبل 2003، كانت القوى المعارضة آنذاك تمتلك تسهيلات سياسية ودعمًا إقليميًا ودوليًا مباشرًا، وهي رُكُز تفتقدها الحركات الحالية.

على الصعيد الخارجي، لا يمكن تجاهل دور الأطراف الإقليمية والدولية. وأشار عبد الهادي إلى أن الجانبين الإقليمي والدولي يدركان أن التجربة الديمقراطية في العراق، رغم التحديات، تعتبر الأنجح في المنطقة من حيث الحريات والعمل السياسي. تعكس هذه النقطة أن الخارج، بغض النظر عن كونه داعمًا أو معارضًا، يتعامل مع العملية السياسية كواقع يصعب تغييره. وفقًا لتقديرات بحثية، فإن الظروف الإقليمية الحالية تختلف تمامًا عن الفترة التي تلت الغزو؛ فعام 2003 قبِلته العواصم الإقليمية، بينما اليوم يُظهر التعقيد الإيراني – الخليجي – التركي واقعًا يمنع استنساخ التجربة بنفس الوسائل.

على الصعيد الأمني والسياسي الداخلي، يُجمع الموقف الرسمي على أن العراق لا يواجه تهديدًا مباشرًا من تلك الحركات. وأكد عبد الهادي أن “الحركات التي تُدار من الفنادق الخارجية لا تشكل أي تهديد للعملية السياسية أو الاستقرار في العراق”. ينمّ هذا الموقف عن ثقة المؤسسة السياسية في قدرة النظام على مواجهة الضغوط الإعلامية دون أن يتحول ذلك إلى تهديد أمني حقيقي. وفقًا للقراءات القانونية، فإن التحديات الحقيقية تتمثل في الضعف الداخلي للمؤسسات، وليس في المعارضة الرقمية. يتمثل الفرق بين اليوم وما قبل 2003 في أن البنية المؤسسية الحالية تبدو أكثر قوة وصلابة.

يمكننا أن نستنتج أن الجدل حول المعارضة الرقمية يعكس أزمة ثقة بين الداخل والخارج أكثر من كونه خطرًا فعليًا على النظام السياسي. تسلط تصريحات عبد الهادي الضوء على رؤية الإطار التنسيقي بأن الشرعية الدستورية والانتخابات تشكل الضمانة الوحيدة لاستمرار النظام، في حين تبقى الحركات النشطة عبر وسائل التواصل الاجتماعي بلا قاعدة شعبية، مما يحد من تأثيرها. وبناءً على الأبحاث، فإن إعادة إنتاج تجربة 2003 تعد شبه مستحيلة بسبب تغير السياق الدولي والإقليمي، ولأن المجتمع العراقي يمتلك الآن آليات سياسية واحتجاجية تجعل التغيير مرهونًا بالإصلاحات الداخلية بدلاً من الاعتماد على الخارج. لذلك، سيبقى تأثير هذه الحركات في حدود النقاش الإعلامي، ولن يرقى إلى مستوى تهديد الاستقرار أو إعادة إنتاج ظروف سقوط النظام السابق.