زمن القراءة: استمتع بأحدث الأخبار من صحيفة خبر عاجل

أزمة القراءة في عصر التكنولوجيا

في ملتقى خاص بالفتيات اليافعات، حيث يمضين أوقات فراغهن بعد المدرسة في أنشطة تعليمية وترفيهية، كنت متحمسة لسؤالهُن عما إذا كن يمتلكن مكتبة للقراءة أو يقمن بمناقشة الكتب أو تأسيس حلقات للكتابة الحرة. وللأسف، كانت الإجابة دائماً: “لا”.

تراجع ثقافة القراءة

غمرني شعور بالأسى حينها، فهل فعلاً انتهى زمن القراءة؟ في الوقت الذي طغت فيه التكنولوجيا والشاشات الصغيرة على حياتنا، أصبحت هذه الوسائل المصدر الأول للترفيه والمعرفة. تشير الإحصاءات إلى أن معدل قراءة الفرد العربي لا يتجاوز كتابين في السنة، في حين يقرأ الأفراد في الدول المتقدمة أكثر من عشرة كتب. هذا التراجع ليس مجرد صدفة، بل هو نتاج لمجموعة من العوامل المعقدة؛ مثل الغياب عن بيئة ثقافية تشجع على القراءة، وضعف دور المكتبات العامة، بالإضافة إلى مناهج تعليمية تعتمد على الحفظ دون التفكير النقدي. ولا يمكن إغفال التحديات التي تواجهها دور النشر والمبادرات المحلية.

لكن، هل التكنولوجيا هي الوحيدة المسؤولة عن ذلك؟ في الحقيقة، المسألة أعمق مما نتصور. لو كانت أصول القراءة قد غرست في نفوس الأجيال منذ الصغر، لما استطاعت الهواتف النقّالة بملهياتها انتزاع الكتب من أيدينا بسهولة. المشكلة ليست في التقنية، بل في البنية الثقافية التي لم تُعزز من حب القراءة والتفكير النقدي.

القراءة ليست مجرد وسيلة للتسلية أو اجتياز الاختبارات، بل تعتبر أساساً لبناء العقل الناقد وتوسيع المدارك، وهي تحمينا من الانجرار خلف الأفكار المضللة. تراجع القراءة يعني تراجع الفكر المستقل، وانحسار الإبداع، وضعف القدرة على الابتكار، ليتحول الأمر إلى استهلاك سطحي وسريع للمعلومات.

لمواجهة هذه الأزمة، نحتاج إلى خطوات عملية: إصلاح المناهج لتغرس حب الاستفسار والتحليل لدى الطلاب بدلاً من الاقتصار على الحفظ. يجب إعادة إحياء المكتبات العامة وجعلها فضاءات عصرية وجذابة للمجتمعات والمدارس. من المهم أيضاً دعم دور النشر والمبادرات الثقافية لتوفير مجموعة متنوعة من الكتب بأسعار معقولة. ومن المفيد الاستثمار في التكنولوجيا من خلال تطوير تطبيقات للكتب الإلكترونية التفاعلية وتنظيم مسابقات قراءة رقمية. إضافة إلى ذلك، ينبغي تنشيط الإعلام والمجتمع بحملات تحفيزية ولقاءات مع كتّاب، وبرامج تمنح الفرصة لاكتشاف عالم المعرفة.

الحقيقة أن زمن القراءة لم يمت، لكنه فعلاً في خطر. إذا لم نتحرك للحفاظ على حب الكتاب، فإننا سنفقد جيلاً كاملاً، ليس فقط كقراء، بل أيضاً كمفكرين وقادة قادرين على بناء مستقبل أفضل. لذا، فإن العودة إلى القراءة ليست فقط ترفيهية، بل هي ضرورة حضارية وضمان لاستمرار أمتنا في التفكير والتحليل والإبداع، بدلاً من أن نكون مجرد مستهلكين لما يُعرض أمامنا.