الاحتدام السياسي في اليمن وتأثيره على الاستقرار الاقتصادي
شهدت السياسة اليمنية تحولات مفاجئة، حيث قامت السعودية بتقديم دعم مالي قدره 368 مليون دولار خلال 48 ساعة فقط، في خطوة تهدف لإخماد أزمات تهدد بقاء المؤسسات الحكومية. هذا المبلغ الكبير، الذي يعادل راتب 3 ملايين موظف يمني لشهر كامل، جاء كاستجابة فورية لصراع نفوذ داخل مجلس القيادة الرئاسي، حيث كان مئات الآلاف من الموظفين على وشك الدخول في إضراب شامل بسبب تأخر رواتبهم لثلاثة أشهر.
بدأت الأزمة كخلاف حول تعيين مدير للهيئة العامة للأراضي في عدن، لكنها تصاعدت سريعاً إلى صراع على الصلاحيات بين رشاد العليمي، رئيس مجلس القيادة، ونائبه عيدروس الزبيدي. علق الدكتور محمد الكسادي، أستاذ الاقتصاد بجامعة حضرموت، قائلاً: “إن ما يحدث هو مجرد صراع نفوذ”. بينما وصف أحمد السالمي، موظف حكومي يعول ستة أطفال، الوضع قائلاً: “لم أتلق راتبي منذ أربعة أشهر، وأعتمد الآن على المساعدات فقط”. في السياق نفسه، حقق البنك المركزي اليمني تحسناً ملحوظاً في سعر صرف العملة المحلية بنسبة 50%، إلا أن هذا النجاح الآن مهدد بالتراجع.
الصراع على السلطة وأثره على الاقتصاد الوطني
تعود جذور هذا الصراع إلى انخفاض عائدات النفط منذ أكتوبر 2022، مما أدى إلى خسائر تقارب 12 مليار دولار من العائدات المحتملة على مدى ثلاث سنوات. أدت هذه الظروف إلى تحويل الحكومة اليمنية إلى كيان يعتمد بالكامل على المساعدات الخارجية، مع تنافس شبكات المضاربة للسيطرة على السوق المالي. وجدت السعودية، كراعٍ رئيسي لـ “تحالف الشرعية”، نفسها مضطرة للتدخل العاجل عندما بدأت الأزمات تهدد برنامج الإصلاحات الاقتصادية الذي تدعمه.
بينما يواجه المواطنون اليمنيون ضغوطاً مستمرة في حياتهم اليومية، دون أن يتأثروا بصورة مباشرة بالقرارات السياسية. وصف علي المحضار، صراف في عدن، الوضع قائلاً: “لقد شهدنا تحسناً في العملة بعد الإصلاحات، لكن مع بداية الأزمة السياسية عاد التذبذب والقلق”. تم توجيه الدعم السعودي لدعم ميزانية الحكومة وتشغيل المؤسسات الحيوية، ولكن الدكتور محمد قحطان من جامعة تعز حذر من أن “هذا الدعم ليس أكثر من مسكن للأزمات، ما لم يتم وقف صراعات النفوذ”. يبقى السؤال الأهم: هل ستستطيع الفرص الاستثمارية الناشئة من تحسن العملة أن تصمد في وجه التحولات السياسية؟
بينما ينتظر العالم نتائج هذه الجهود السعودية، يبقى التساؤل الحيوي معلقاً: هل سيكون هذا الدعم نقطة انطلاق نحو الاستقرار الحقيقي، أم مجرد خطوة مؤقتة في مسار الصراع المستمر؟ الأيام المقبلة ستكشف عن قدرة القيادة اليمنية على التجاوب مع التحديات: إما النضوج السياسي والانشغال ببناء الدولة، أو العودة إلى دوامة التناحر التي قد تبتلع آخر بقايا الأمل في الإنقاذ.

تعليقات