تغيير سياق العلاقات بين حزب الله والسعودية
في أكتوبر 2015، ترددت في أوساط أنصار حزب الله عبارات معادية للسعودية، وذلك خلال خطاب الأمين العام السابق للحزب، حسن نصرالله، بمناسبة ذكرى عاشوراء. الهجمات التي شنت آنذاك ضد المملكة كانت الأقوى، ما أثار ردود فعل متباينة واستمرارية لتلك الانتقادات. إلا أن الأيام الأخيرة شهدت تغيرًا ملحوظًا في هذه اللغة، حيث دعا أمين عام الحزب، نعيم قاسم، في 19 سبتمبر، إلى فتح حوار مع السعودية، مشددًا على ضرورة تجاوز الخلافات وبناء علاقة جديدة.
تسوية سياسية
هذه الدعوة الغير متوقعة أظهرت تساؤلات حول دوافعها، وهل تعبر عن توجه استراتيجي جديد لحزب الله ، أم أنها مجرد محاولة لتأخير ما يصفه المحللون بنهاية محتملة لمشروع الحزب السياسي والعسكري، خاصة بعد خسائره في العراق وسوريا. العلاقة بين حزب الله والسعودية شهدت توترات مستمرة منذ أوائل الألفية، بدءًا من رفض نصرالله للمبادرة العربية للسلام عام 2002، مرورًا بحرب 2006 مع إسرائيل، وصولًا إلى الأزمة السورية التي زادت الهوة بين الطرفين.
في السنوات الأخيرة، تفاقمت التوترات نتيجة لعمليات حزب الله في دول أخرى بالمنطقة، ما دفع دول الخليج إلى تصنيفه كمنظمة إرهابية عام 2016. رغم ذلك، يأتي خطاب قاسم كإشارة إلى تغييرات استراتيجية أكثر من كونه عرضًا حقيقيًا للسلام. على صعيد التحليل السياسي، يظهر الكثيرون أن الحزب يمر بمرحلة من الارتباك والقلق الوجودي، حيث فقد العديد من خياراته وأصبح محاصرًا على أكثر من صعيد، سواءً داخليًا أو خارجيًا.
هذا التحول في الخطاب قد يكون نتيجة للواقع العسكري والسياسي الصعب الذي يعاني منه الحزب، مما يجعله يسعى إلى إعادة بناء علاقاته وتحسين صورته. إن أي رد فعل سعودي على هذه الدعوة قد لا يخرج عن سياق سياسة المملكة الثابتة التي تهدف إلى التعامل مع المؤسسات اللبنانية الرسمية، وليس مع الفصائل المسلحة. من الممكن أن تأتي هذه الدعوة ضمن سياق الأهداف الإيرانية الأوسع للضغط لتخفيف التوترات في المنطقة.
بغض النظر عن نوايا حزب الله، فإن دعوته قد تثير جدلًا داخليًا بين أوساطه، حيث يأمل البعض في تعزيز العلاقات مع السعودية، بينما يتخوف آخرون من أي نقاش قد ينتهي بمسألة نزع السلاح. إذًا، تمثل هذه الديناميات فرصة للبنانيين لتأكيد هويتهم الوطنية وإعادة تشكيل التوازن السياسي في بلادهم بعيدًا عن سيطرة حزب الله.

تعليقات