مصر كحلقة وصل رئيسية في سلاسل الإمداد الإفريقية
على مدار عقود طويلة، برزت مصر كدولة محورية في قلب القارة الإفريقية، وذلك يعود إلى موقعها الجغرافي الفريد الذي يربط بين البحرين الأحمر والمتوسط ويشكل معبرًا لقناة السويس، بالإضافة إلى كونها مصبًا نهائيًا لطول أنهار العالم، نهر النيل. كما تلعب مصر دورًا بارزًا في المجالات السياسية والاقتصادية والتنمويه على مستوى القارة.
مصر كمركز استراتيجي في الإمدادات الإفريقية
في ظل التحولات العالمية المتسارعة في سلاسل الإمداد، والتي تزايدت بشكل خاص بعد جائحة “كورونا” وما تبعها من أزمات في الطاقة والغذاء والصراعات الإقليمية، تبدو مصر اليوم أكثر استعدادًا من أي وقت مضى لتكون النقطة المحورية في سلاسل الإمداد الإفريقية. تضم إفريقيا حاليًا نحو 1.4 مليار نسمة، ما يجعلها سوقًا كبيرة ومغرية، بالإضافة إلى كونها تمتلك حوالي 30% من الموارد الطبيعية العالمية و60% من الأراضي القابلة للزراعة غير المستغلة. لكن تواجه القارة تحديات في مجالات البنية التحتية وسلاسل التوزيع، حيث تشير تقديرات “بنك التنمية الإفريقي” إلى الحاجة لاستثمارات تفوق 170 مليار دولار سنويًا لسد هذه الفجوة.
من بين التحديات الأساسية التي تعيق تقدم إفريقيا هي ضعف شبكات النقل البرية والسكك الحديدية، فضلاً عن ارتفاع تكاليف النقل الداخلي مقارنة بالشحن إلى الأسواق الخارجية. ترتفع تكلفة شحن حاوية من دولة إفريقية إلى أخرى، وقد تصل إلى ثلاثة أضعاف تكلفة شحنها إلى أوروبا أو آسيا. كذلك توجد عقبات أخرى تتعلق بالتباين في السياسات الجمركية وضعف التكامل بين التجمعات الاقتصادية الإقليمية. رغم هذه التحديات، فإن اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA) التي تم تفعيلها في عام 2021 تمثل نقطة تحول رئيسية، تستهدف رفع مستوى التجارة البينية الإفريقية من 15% إلى أكثر من 50% بحلول عام 2030.
تتطلب هذه التحولات وجود مراكز لوجستية عالمية، وتضع مصر في مقدمة هذه المراكز بفضل موقعها الاستراتيجي وبنيتها التحتية المتطورة. تمتاز مصر بموقع جغرافي يتوسط ثلاث قارات وتسيطر على قناة السويس، وهي المسار الملاحي الذي يمر عبره أكثر من 12% من التجارة العالمية. على الصعيد الداخلي، شهدت مصر خلال السنوات الأخيرة ضعفاً كبيراً في بنيتها التحتية، حيث تم تطوير أكثر من 7000 كم من الطرق والكباري بما يتوافق مع المعايير الدولية، وإطلاق شبكة لوجستية جديدة تشمل موانئ برية وجافة ومراكز لوجستية.
تسعى مصر إلى تعزيز العلاقات مع إفريقيا عبر مشاريع عديدة، مثل “طريق القاهرة – كيب تاون” وخط السكك الحديدية المخطط بين مصر والسودان. كما تسهم المنطقة الاقتصادية لقناة السويس في تعزيز مكانة مصر كمحور إقليمي ودولي رئيسي. تحتفظ المنطقة بعدد من الموانئ البحرية الرئيسية وتعمل على جذب الاستثمارات الصناعية في مجالات متنوعة. بالإضافة إلى ذلك، تساهم توسيع الشراكات الثلاثية بين إفريقيا وآسيا وأوروبا في تعزيز الربط مع الأسواق الإفريقية.
على المستوى الدبلوماسي، تبرز مصر كلاعب رئيسي في تنسيق الجهود الإفريقية تجاه سلاسل الإمداد. تسعى مصر جادة لتحقيق التكامل الإقليمي من خلال مشاريع الربط بين دول حوض النيل، وتعزز جهودها في جذب الاستثمارات المستهدفة للأسواق الإفريقية. إن الموقع الجغرافي لمصر واستثماراتها في البنية التحتية، مع نجاحاتها الاقتصادية، تجعلها قادرة على أن تكون القلب النابض لسلاسل الإمداد الإفريقية، مما يعزز من فرص القارة في تحقيق نهضة شاملة ومنتجة.

تعليقات