مستقبل العلاقات: هل تلوح في الأفق مصالحة بين حزب الله والسعودية؟

التغيرات الحادة في العلاقة بين حزب الله والسعودية

في ظل المشهد السياسي الذي يشهد تحولات كبرى وانهيارات للتوازنات القديمة، كسر حزب الله اللبناني صمته المعتاد في علاقاته مع السعودية، ووجه دعوة غير مسبوقة لفتح صفحة جديدة مع الرياض. جاءت هذه الدعوة على لسان الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، في خطاب متلفز دعا فيه إلى تأسيس علاقة قائمة على الحوار مع المملكة، متجاوزًا بذلك التوترات الماضية ومؤكدًا على إسرائيل كعدو مشترك. وليس من المستبعد أن تكون هذه الدعوة تعبيرًا عن تغيير في النظرة لموازين القوى، خاصة وأن حزب الله قد أصبح أكثر عزلة من قبل وأقل قدرة على المناورة.

يتزامن هذا التطور مع تصاعد الضغوط الداخلية، حيث قررت الحكومة اللبنانية تكليف الجيش بخطة واضحة لنزع سلاح الحزب، وهو تطور يعتبر نادرًا في تاريخ العلاقة بين الطرفين. هذه الضغوط تأتي في خضم آثار الحرب الأخيرة مع إسرائيل، حيث فقد الحزب العديد من القيادات والتأثيرات العسكرية، مما زاد من تآكل قوته.

هذا التحول يأتي في وقت تعاني فيه إيران من ظروف صعبة نتيجة الضغوط الدولية، الأمر الذي قد أثر سلبًا على الدعم الذي كان يقدمه حزب الله. وفي ظل هذا السياق، يبدو أن دعوة الحزب لم تجد حتى الآن رد فعل رسمي من السعودية، إلا أن الصمت هنا يوحي بقراءة عميقة من المملكة للمشهد، حيث لم تعد تتعامل بعاطفة بل بمنطق براغماتي يركز على المصلحة.

يبقى التساؤل مطروحًا: هل ستقبل السعودية دعوة حزب الله، الذي تعتبره ذراعًا إيرانيًا على حدودها الأمنية؟ تشير المعلومات إلى أن المملكة قد تواصل دعم الحكومة اللبنانية الجديدة وتترك للحكومة اتخاذ خطوات للحد من نفوذ الحزب. ومن المحتمل أن تظل دعوة الحزب للتفاوض دون ردود فعل سريعة من الرياض، خاصة أن العلاقات بين الجانبين مشوبة بالاتهامات والعوامل التاريخية.

رغم الطابع البراغماتي الذي يميز السياسة السعودية، فإن تجاوز مرحلة العداء مع حزب الله يتطلب أكثر من مجرد خطاب إعلامي. فالسعودية تحمل ذاكرة من الاتهامات السابقة الموجهة إليها من قبل الحزب، ما يجعل أي تقارب مرهونًا بتنازلات حقيقية من الحزب. وبالتالي، يعد التوجه نحو الحوار بين الطرفين مسارًا معقدًا.

تظهر المعطيات أن أي مصالحة بين السعودية وحزب الله ستؤثر بشكل استراتيجي على المشهد اللبناني والإقليمي. من جهة، يمكن أن توفر للمملكة فرصة لتعزيز نفوذها في لبنان، ومن جهة أخرى، ستساعد الحزب على استعادة قدراته السياسية. ومع ذلك، فإن الشروط للأسف ثقيلة، وقد تكون تحديًا في تحقيق أي تغير حقيقي.

في هذا الوضع المتغير، يبدو أن السعودية بحاجة إلى مراجعة مرنة لسياساتها تجاه الحزب، ليس بهدف احتضانه سياسيًا، ولكن لتهيئة الظروف التي قد تدفع به إلى تقليص أدواره الإقليمية السابقة. إن التهديدات الجديدة في المنطقة تتطلب إعادة تقييم للخلافات التقليدية، بما في ذلك تلك مع حزب الله. وفي النهاية، سلامت لبنان وأمن الخليج يتطلبان منهجية مختلفة وواقعية أكثر في التعامل مع جميع الأطراف الفاعلة، بما في ذلك حزب الله.

استراتيجية التفاهمات الجديدة

يجب على السعودية أن تدرك أن الاستقرار لن يتحقق عبر العداء، بل بالاحتواء العقلاني للأطراف المعنية. إن تحقيق الاستقرار في لبنان يحتاج إلى الاعتراف بوجود حزب الله في الساحة كأحد مكوناتها الأساسية. الهدف لا يتلخص في قبول الفكرة الأيديولوجية للحزب، بل بناء أرضية مشتركة تسهم في مواصلة الحوار. ومع استمرار التوترات الإقليمية، فإن أي مصالحة محتملة تستوجب استراتيجيات جديدة ونظرًا بعيد المدى.