أثرياء يتصدرون المشهد الخيري بتبرعات غير مسبوقة لمواجهة التحديات

التطور الأخلاقي في التبرعات بين الأثرياء

توفي رجل أعمال ثري في الخمسينات من عمره، وقد تزوج 22 مرة وأنجب 55 ابناً، مما يعكس نمط الحياة الذي كان سائداً للأثرياء قبل عشرين عاماً. فقد كان هؤلاء الأثرياء ينفقون الأموال بلا حدود، سواء من ثرواتهم الشخصية أو من الأموال العامة التي بحوزتهم، كما في قصة قطر الندى ابنة خمارويه طولون، التي أفلست بسبب زواجها. لكن على مدار العقدين الماضيين، شهد العالم تطوراً ملحوظاً في الوعي الأخلاقي، خاصة في الولايات المتحدة، حيث بدأ أغنى الأثرياء، ومعظمهم من الأمريكيين، بالتبرع بكامل ثرواتهم في أوج صحتهم، بل وبعضهم في مرحلة الشباب، دون أن يكون ذلك ناتجاً عن اليأس أو الرغبة في الخروج من الحياة.

التحول في قيم الأثرياء

لم يسبق أن تبرع الأثرياء بهذا الشكل للجمعيات الخيرية، وخاصة خارج بلدانهم ومن أعراق وأديان مختلفة، مما يثير التساؤلات حول هذا التحول الأخلاقي غير المسبوق. فغالبية المتبرعين من الأمريكيين ليسوا متدينين، مما يعني أن دافعهم ليس اكتساب الخيرات العديدة. بل إن دافعهم ينتمي إلى نمو الوعي الأخلاقي نتيجة التطور الحضاري والثقافي الذي أدى إلى تجاوز الأنانية المفرطة. للأسف، لا تزال التبرعات الكاملة أو الجزئية نادرة جداً بين العرب والمسلمين، كما تظهر ذلك قوائم المتبرعين السنوية. هناك ظاهرة مؤسفة في المجتمعات العربية تتمثل في رفع الأبناء قضايا ضد آبائهم الذين يخططون لاستخدام ثرواتهم في الأعمال الخيرية، بينما لا توجد حالات مشابهة في الغرب، حيث يُنشأ الأطفال على الاعتماد على أنفسهم.

غالباً ما يكون للأثرياء العرب عدد كبير من الزوجات والأبناء، مما يضعف الروابط العاطفية بينهم. بينما في الغرب، يبقى الأثرياء متزوجين من زوجاتهم الأوليات وينجبون عددًا أقل من الأبناء، مما يعزز الروابط الأسرية التي تتجاوز مطامعهم الشخصية. ومن أبرز الأثرياء الذين تبرعوا بكامل ثرواتهم الأمير السعودي الوليد بن طلال، وسليمان الراجحي، وعدد من المليارديرات الأمريكيين مثل بيل غيتس، ووارن بافت، وجيف بيزوس.

تشير الدراسات إلى أن الغالبية العظمى من المتبرعين الأمريكيين ليس لديهم دوافع دينية، مما يدل على نضوج ووعي أخلاقي يتجاوز المنفعة الشخصية. وفي الختام، يمكن أن نرى أن قيم الخير والإيثار قد ارتفعت في العالم المتقدم، بينما يظل هذا الأمر بحاجة إلى المزيد من الوعي والتغيير في البلاد الأقل تحضراً.