قفزة تاريخية في السوق المالية السعودية
سجلت السوق المالية السعودية اليوم إنجازًا نوعيًا في تاريخها الحديث، حيث حقق مؤشرها الرئيسي “تاسي” أكبر قفزة يومية منذ مارس 2020، مما يعكس تفاؤلاً ملحوظًا بين المستثمرين. أغلق المؤشر بزيادة تقدر بـ 550.03 نقطة، أي حوالي 5.06%، ليصل إلى 11426.45 نقطة، متجاوزًا مستوى 11.4 ألف نقطة للوهلة الأولى منذ مايو الماضي، مما يدل على قوة الزخم الشرائي وعودة السيولة بشكل ملحوظ.
انطلاقة لافتة للسوق المالي
كانت تلك الأداءات مدفوعة بتوقعات إيجابية بشأن تعديلات مرتقبة من هيئة السوق المالية السعودية تتعلق بتخفيف القيود على ملكية الأجانب في الشركات المدرجة، التي لا تزال محدودة بنسبة 49% حتى الوقت الراهن. عززت أنباء هذه التعديلات الثقة في السوق، مما دفع المستثمرين لزيادة تعاملاتهم، حيث أن فتح الباب أمام ملكية أوسع للأجانب يعني ضخ سيولة جديدة ويزيد من جاذبية السوق على المستوى العالمي.
وفقًا لتقديرات بنك “جيه بي مورجان”، من المحتمل أن تؤدي خطوة رفع سقف ملكية الأجانب إلى تدفقات استثمارية تقدر بحوالي 10.6 مليار دولار، وهو ما يمثل إضافة نوعية للسوق السعودي. شهدت الجلسة تداولات نشطة بلغت قيمتها 14.4 مليار ريال، وتم تنفيذ أكثر من 971.2 ألف صفقة، فيما بلغ حجم الأسهم المتداولة 598.2 مليون سهم، ما يعكس الحيوية الكبيرة للسوق.
كان أداء الأسهم الفردية مثيرًا للإعجاب أيضًا، حيث أغلقت 247 شركة مدرجة باللون الأخضر، بينما أغلق 11 شركة فقط باللون الأحمر ضمن 261 شركة مدرجة، مما يبرز نطاق المكاسب الواسع. تصدرت أسهم شركات الإنماء ودار الأركان والبلاد قائمة الأكثر ارتفاعًا بمكاسب تراوحت بين 9.99% و9.96%، الأمر الذي يقترب من الحد الأقصى المسموح به يوميًا.
على الجانب الآخر، سجلت بعض الشركات في مجموعة إم بي سي وملاذ للتأمين أملاك وكابلات الرياض انخفاضات، حيث تراوحت خسائرها بين 2.2% و0.99%، مما يعكس تباينًا طبيعيًا داخل السوق. ولم يقتصر التفاؤل على السوق الرئيسي، بل شمل أيضًا السوق الموازية “نمو”، حيث ارتفع مؤشرها بمقدار 308.68 نقطة، بنسبة 1.22%، ليغلق عند مستوى 25608.1 نقطة، وسط تداولات تفوق 40.6 مليون ريال.
يعكس هذا الصعود التاريخي مكانة السوق المالية السعودية كأحد أكثر الأسواق البارزة في المنطقة، ويؤكد أن الإصلاحات المستمرة أسهمت في زيادة ثقة المستثمرين المحليين والأجانب. يرتبط هذا الارتفاع أيضًا بالسياق الاقتصادي الداعم، حيث تستفيد المملكة من زخم رؤية 2030، التي تهدف إلى تنويع مصادر الدخل وجذب الاستثمارات الأجنبية إلى قطاعات متعددة.
يؤمن المراقبون أن توسيع المجال أمام المستثمرين الأجانب سيعزز من مكانة السوق السعودي في مؤشرات الأسواق الناشئة والعالمية. يُظهر حجم السيولة المتدفقة خلال الجلسة عودة قوية للمستثمرين الأفراد والمؤسسات، مشيرًا إلى أن السوق يمر بمرحلة إيجابية قد تمهد الطريق لمستويات أعلى في المستقبل.
تشير مكاسب أسهم البنوك والعقارات والشركات الكبيرة إلى توقعات إيجابية بشأن انتعاش هذه القطاعات في ظل توسع الاستثمارات وضخ المزيد من رؤوس الأموال الأجنبية. يؤكد المحللون أن استمرار الإصلاحات وزيادة الشفافية والحوكمة في السوق سيكون له تأثير إيجابي دائم على هذه المكاسب، مما يساعد على تقليل تقلبات الأسعار على المدى الطويل.
مع تخطي مؤشر “تاسي” حاجز 11.4 ألف نقطة، يعود السوق إلى مسار صعودي بدأ قبل عدة أشهر، رغم الضغوط التي تعرض لها نتيجة التذبذبات العالمية وأسعار النفط. يبدو أن هذا الإنجاز يمثل نقطة تحول جديدة في مسيرة السوق السعودية، التي أصبحت أكثر اندماجًا في الاقتصاد العالمي، وجاذبية لرؤوس الأموال التي تبحث عن فرص نمو مستقرة.
ختامًا، يعكس هذا الارتفاع التاريخي لمؤشر “تاسي” التقدم المستمر في الإصلاحات الاقتصادية والمالية في المملكة، ويعبر عن رسالة واضحة بأن السوق السعودي يسير بخطى ثابتة نحو تعزيز مكانته الإقليمية والعالمية.

تعليقات