بغداد وأربيل تبرمان اتفاقاً شاملاً ينهي سنوات من النزاع النفطي: ماذا ينتظر المرحلة التالية؟

الاتفاق النفطي بين بغداد وأربيل: تحول تاريخي

في خطوة بارزة بعد نحو 18 عاماً من النزاع حول قطاع النفط، أعلن كل من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ورئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني عن التوصل إلى اتفاق تاريخي يقضي بتسليم الوزارة الاتحادية كافة صادرات النفط من الإقليم. ويعتبر صدور هذا الإعلان إنجازاً مهماً يفتح المجال أمام الإقليم للعودة إلى الأسواق العالمية، مما أثار ردود فعل إيجابية من مختصين اعتبروا ذلك تحولاً كبيراً في إدارة الثروة الوطنية وإعادة بناء العلاقة بين المركز والإقليم.

تحول جذري في إدارة الثروات

قال أحمد عسكر، المختص في الشأن النفطي والاقتصادي، إن الاتفاق يأتي كخطوة محورية في تنظيم تصدير النفط ويؤدي إلى شراكة طويلة الأمد مبنية على الأسس الدستورية. وفي تغريدة له، أشار السوداني إلى أن هذا الاتفاق يعد إنجازاً طال انتظاره، ويُثمن مفهوم “التوزيع العادل للثروة” ويعزز من تنوع منافذ التصريف، ما يساعد على تعزيز الإيرادات الاتحادية. بينما أكد بارزاني أن هذا الاتفاق يمثل خطوة مهمة نحو تأمين حقوق الشعب الكردي وإعادة الإقليم للتنافس في الأسواق المحلية والدولية.

أوضح عسكر أن الاتفاق يعمل على معالجة قضية عالقة منذ سنوات طويلة بين الحكومة المركزية وإقليم كردستان، ويشكل أرضية جديدة للتعاون وفق القوانين النافذة، مما يضمن عدالة توزيع الإيرادات. وقد كان النفط الكردي مصدراً للخلافات منذ عام 2005، حيث كانت إبرام اتفاقات صادرات نفط مستقلة عبر تركيا محل جدل كبير، إلى أن أدى قرار التحكيم الدولي في 2023 إلى تسريع وتيرة المفاوضات.

وزاد عسكر من تأكيداته على أن توحيد السياسات النفطية سيساعد في تعزيز الاستقرار المالي وزيادة القدرة التفاوضية للعراق في الأسواق العالمية. وأشار إلى أن الاتفاق يفتح أفقاً جديداً لجذب الاستثمارات ويُعزز الثقة بين بغداد وأربيل، مما سينعكس على بيئة الاستثمار والاقتصاد الوطني بصورة إيجابية.

على الرغم من هذه التطورات المزهرة، حذر عسكر من أن التنفيذ الفعال والشفاف لهذا الاتفاق هو المحك الحقيقي لنجاحه، وهو يتطلب إرادة سياسية قوية ورقابة دقيقة. لذا يجب أن تُستخدم موارد النفط كوسيلة لبناء الدولة، وليس كمصدر جديد للخلافات. تجارب مقارنة تشير إلى أن نجاح أي اتفاق نفطي يتطلب تنفيذ دقيق يحصن ضد التوظيف السياسي.

يشير الاتفاق النفطي الأخير بين بغداد وأربيل إلى تحول جدي من مجرد تسوية تقنية إلى علاقة منسجمة تضع الأسس لشراكة وطنية جادة. وقد أظهرت تصريحات السوداني وبارزاني وجود إرادة سياسية قوية، لكن التحدي الأكبر يبقى في ضمان التنفيذ الفعال لضمان التوزيع العادل للثروات. إذا ما نجح هذا الاتفاق، فقد يمثل بداية جديدة للاستقرار الاقتصادي والسياسي في العراق، وهو ما ينتظره العديد بعد سنوات من اللااستقرار.