تواصل وزارة الشؤون البلدية والإسكان في المملكة تكثيف جهودها الرقابية لمواجهة ظاهرة التقسيم غير النظامي للمساكن الاستثمارية، إذ تسعى هذه الحملة لضبط الممارسات التي تخل بجودة الحياة داخل الأحياء السكنية، وتؤثر سلبًا على التوازن العمراني، في وقت تصل فيه العقوبات إلى فرض غرامات مالية قد تبلغ 200 ألف ريال.
إقرأ ايضاً:
القناة الناقلة والتشكيل المتوقع .. موعد مباراة الاتحاد والنصر في دوري روشننادي الهلال يحسم الجدل .. هذا السر وراء التحرك المفاجئ بشأن نجمي الوسط
وتؤكد الوزارة أن هذه الخطوة تأتي في إطار رؤيتها لتعزيز استدامة المدن السعودية بما يتوافق مع مستهدفات رؤية 2030، التي أولت جانب تحسين المشهد الحضري وتطوير أنماط المعيشة أولوية قصوى لضمان بيئة سكنية آمنة ومنظمة.
وتعتمد الوزارة في استراتيجيتها على مزيج من الرقابة الميدانية والتقنية، حيث تسيّر أمانات المناطق جولات ميدانية مستمرة، بالتوازي مع استقبال البلاغات عبر منصة “بلدي”، التي تتيح للمواطنين والمقيمين المساهمة في رصد التجاوزات بشكل فوري وسهل.
هذا النظام الرقمي المتكامل مكّن فرق الرقابة من سرعة التدخل ومعالجة الحالات، وهو ما يعكس تحوّل العمل البلدي نحو الاعتماد على الحلول الذكية والتفاعل المباشر مع المجتمع لرفع كفاءة الرقابة وتقليص فرص المخالفات.
كما شددت الوزارة على أن جميع الملاك والمستثمرين والمستأجرين ملزمون بالاشتراطات النظامية، محذرة من اللجوء إلى تقسيم المساكن أو تأجيرها بشكل غير مرخص عبر المنصات الإلكترونية أو غيرها دون الحصول على تصريح رسمي من الأمانات المختصة.
الوزارة أوضحت أن بعض المستثمرين قد يلجأون لممارسات تهدف لتعظيم العائد المالي على حساب السلامة والتنظيم، وهو ما تعتبره مخالفة صريحة للنظام واعتداءً على حقوق السكان وجودة خدمات الأحياء.
وفي هذا السياق، دعت الوزارة الجمهور للتعاون والإبلاغ عن أي نشاط مخالف، معتبرة أن مساهمة المجتمع في تقديم البلاغات تشكل خط الدفاع الأول لتحقيق بيئة حضرية آمنة ومستدامة، وتحافظ على مكتسبات التنمية العمرانية.
وتكشف الإحصاءات أن أبرز التجاوزات تتمثل في إعادة تقسيم الشقق إلى وحدات صغيرة المساحة، وإضافة أبواب داخلية لفصل المساحات، أو التلاعب بمخارج الطوارئ عبر الارتدادات، وكلها ممارسات تهدد سلامة المباني والسكان.
هذه المخالفات لا تتوقف آثارها عند حدود الوحدة السكنية نفسها، بل تمتد لتحدث ضغطًا متزايدًا على شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي، فضلًا عن اختناقات مرورية وتراجع مستوى الخدمات البلدية.
ويرى خبراء التخطيط العمراني أن مثل هذه الممارسات تقوّض جهود الدولة في تحقيق التنمية الحضرية المتوازنة، وتفتح الباب أمام ظهور أحياء غير منظمة تفتقر لمقومات العيش الكريم، ما ينعكس سلبًا على الهوية البصرية للمدن السعودية.
من جانب آخر، اعتبرت الوزارة أن مكافحة هذه الظاهرة ضرورة لضمان التوزيع العادل للخدمات، ولمنع تراكم المشكلات المستقبلية المرتبطة بالبنية التحتية والضغط السكاني داخل نطاقات محدودة.
وتأتي هذه الإجراءات ضمن مسار أوسع للوزارة يشمل تعزيز كفاءة الرقابة على الأنشطة الاستثمارية العقارية، وضمان توافقها مع الأهداف الوطنية الرامية إلى رفع جودة الحياة في المدن وتحقيق التوازن بين التوسع العمراني واحتياجات المجتمع.
كما تعمل الوزارة على تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص والمطورين العقاريين لتبني حلول إسكانية نظامية ومستدامة، تكون قادرة على تلبية الطلب المتزايد دون اللجوء إلى طرق غير قانونية.
وتؤكد الوزارة أن الالتزام بالأنظمة ليس مجرد التزام قانوني، بل هو مسؤولية مجتمعية تسهم في حماية حقوق السكان وتوفير بيئة معيشية متكاملة تحافظ على سلامة الأفراد وتعزز استقرار الأحياء.
وفي ظل التطور التقني، تراهن الوزارة على أدوات الذكاء الاصطناعي والتحليل الرقمي للبيانات في تتبع الأنماط السلوكية المخالفة، ما يتيح استباق المخاطر والتعامل معها قبل تفاقمها.
كما يجري العمل على برامج توعوية تستهدف رفع الوعي لدى الملاك والمستثمرين بأهمية الالتزام بالتراخيص، وتوضيح المخاطر القانونية والمالية المترتبة على أي مخالفة.
ويُنتظر أن تسهم هذه الحملة الرقابية في تعزيز ثقة السكان بالخدمات البلدية، وإرساء مفهوم المدن الذكية التي توازن بين التوسع العمراني والالتزام بالنظام، وتفتح آفاقًا أرحب للاستثمار السكني المنظم.
وبذلك، تؤكد الوزارة أن الطريق نحو مدن سعودية أكثر تنافسية واستدامة يبدأ من الالتزام الصارم بالأنظمة، والتعاون الفاعل بين الجهات الرسمية والمجتمع لضمان بيئة عمرانية متوازنة تحفظ للجميع حقوقهم.

تعليقات