بدايات متواضعة ورؤية مستقبلية: كيف أطلقنا اقتصاد وطن متنامٍ

التحولات الاقتصادية في المملكة العربية السعودية

في صباح صحراوي من سبتمبر عام 1933، تم نصب خيمتين في منطقة قاحلة بظهران الشرقية، حيث بدت للقافلة مثل معسكر لعابري السبيل أو للمنقبين عن الآثار. لكن هاتين الخيمتين كانتا تحملان في طياتهما بذور تحول تاريخي سيعيد تشكيل ملامح المملكة والعالم. كان الجيولوجيان الأمريكيان روبرت بيرت ميلر وسكولير كروغ هنري يستعدان في معسكرهما البسيط للبحث عن الذهب الأسود، بناءً على اتفاقية وقعتها الحكومة السعودية في عهد الملك عبدالعزيز، طيب الله ثراه، مع شركات أمريكية.

جلس الرجلان بالقرب من نار صغيرة يتدفآن ويخططان، دون أن يدركا أن هذه اللحظة المتواضعة تشكل البداية الحقيقية لقصة اقتصاد سيصبح ضمن أكبر اقتصادات مجموعة العشرين. من تحت أشرعة تلك الخيمة انطلقت المسوحات الأولى التي أدت إلى اكتشافات النفط، وسرعان ما تحولت الرمال المحيطة بها إلى حقول بترولية، لتشتعل منصاتها لهيب نار تعلن عن انبثاق اقتصاد وطني حديث يُمول التنمية، ويؤسس المدن، ويُمد الجسور نحو العالم.

الاقتصاد الحديث وثمرات البدايات الصغيرة

بهمة الرجال وحكمة القيادة من حكام البلاد من أبناء المؤسس، تحولت المملكة العربية السعودية بعد عقود من الزمن إلى واحدة من أكبر موردي الطاقة في العالم، وبدأت تنميتها الحديثة ترتكز على قاعدة راسخة من التنوع الاقتصادي. كانت تلك الخيمة رمز البدايات، حيث صنعت هذه البدايات الحاضر المشرق: مدن عامرة، مؤسسات تعليمية للأجيال، مطارات دولية، صناعات كبرى، وبُنى تحتية متطورة، بالإضافة إلى مكانة دولية مرموقة.

تظل قلوبنا مرتبطة بالخيام، إذ تمثل رمزًا لفكرة خالدة: البدايات قد تكون متواضعة، لكنها تحمل بذور التحولات الكبرى. فمن تحت أشرعة هذه الخيمة، خرج النفط السعودي ليصبح محرك طاقة لمشروع وطني، ورافعة لمكانة عالمية، ودليلًا على القدرة على تحويل الصحراء إلى مركز حضاري يجذب إليها ملايين البشر ويبرز اقتصادية عالمية مزدهرة.

تسعة عقود مرت، ولا زالت الخيمة تذكرنا بأن الحكايات العظيمة تبدأ أحيانًا من تفاصيل صغيرة. اليوم، ومع توجه المملكة بقوة نحو تنويع اقتصادها وفق رؤية 2030 تحت قيادة الملك سلمان وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، تبقى الخيمة شاهدًا خالدًا على درس جوهري: كل تحول اقتصادي يبدأ بحلم، وكل حلم يحتاج إلى خيمة تؤويه وإلى حكم رشيد يديره منذ بدايات الطريق حتى يصبح حقيقة واقعة.