شراء بطاقات الناخبين في العراق
في الآونة الأخيرة، أصبحت ظاهرة شراء بطاقات الناخبين في العراق مسألة معروفة، إلا أن الطرق الجديدة التي تم الكشف عنها مؤخراً تكشف عن مدى الانحراف الذي أصاب العملية الانتخابية. فقد أظهرت المتابعات الميدانية أن بعض المرشحين يلجأون إلى استمالة الشباب والفقراء من خلال وعود بتوظيفهم كمراقبين انتخابيين ليوم واحد مقابل مبلغ يصل إلى 400 ألف دينار، أو 100 دولار، مع اشتراط جلب 35 ناخباً من الأقارب والأصدقاء مرفقين ببطاقاتهم الانتخابية. وفي حال تعاملهم مع مرشحين من ذوي الأسماء الكبرى، قد يصل الثمن إلى مليون دينار للبطاقة الواحدة. هذا التحول جعل من الصوت الانتخابي سلعة تباع وتشتري في سوق السياسة.
الاتجار بالأصوات الانتخابية
بدوره، أشار النائب ثائر الجبوري إلى إحباط ثلاث محاولات لشراء بطاقات الناخبين في مناطق متعددة، وكان أحدثها في ديالى، حيث قامت الأجهزة الأمنية باعتقال عدد من المتورطين وضبط العشرات من البطاقات. وأكد الجبوري أن هذه الممارسات تسيء للعملية الانتخابية وتضلل الرأي العام على يد سماسرة الانتخابات الذين يسعون إلى تحقيق أجندات غير مشروعة، سواء كانت مدعومة من الداخل أو الخارج. من جهة أخرى، يرى النائب السابق فوزي أكرم ترزي أن ظاهرة شراء البطاقات انتشرت بشكل منظم وتتطلب تحقيقات عاجلة لمحاسبة المتورطين. كما دعا إلى نشر الوعي بين المواطنين لكشف الشبكات التي تقف وراء هذه الممارسات غير القانونية.
وفي سياق متصل، أكّد أمين تيار الحكمة في ديالى، فرات التميمي، أن المعلومات المتعلقة بعمليات شراء البطاقات لا يمكن تجاهلها ويجب تقديمها للجهات الرقابية. وأوضح أن توفير فرص متكافئة للمرشحين يعد شرطاً أساسياً لاستعادة ثقة الناخبين، بدلاً من ترك الساحة للاعبين غير الشرفاء. وأكدت التحقيقات أن عمليات الشراء لم تعد تقتصر على الأموال، بل تشمل أيضاً تقديم هدايا، مثل قطع سلاح لشيوخ العشائر وملابس نسائية لبعض الناخبات، وهو ما يعكس تحوّل الممارسات الانتخابية إلى صفحات مظلمة.
كما أعلنت هيئة النزاهة الاتحادية عن إحباط عملية كبرى، أسفرت عن اعتقال مرشح وأربعة من مساعديه بتهمة شراء بطاقات الناخبين مقابل وعود بالتوظيف. ووضعت الهيئة، بالتعاون مع جهاز الأمن الوطني، يدها على الكثير من الأدلة، منها بطاقات انتخابية وسجلات بأسماء ناخبين. كما أكدت الهيئة على أهمية دور المواطنين في الإبلاغ عن هذه الممارسات. من جهة أخرى، أكدت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات أن بيع أو شراء بطاقات الناخبين يعد جريمة انتخابية يعاقب عليها القانون، وقد تصل العقوبات إلى استبعاد المرشحين.
ما يحدث لا يمثل مجرد حالات معزولة، بل يشكل تحولاً خطيراً في طبيعة العملية الانتخابية. إن استغلال الفقراء والشباب عبر وعود وهمية، وتحويلهم إلى وسطاء لجلب الأصوات مقابل مبالغ زهيدة، يرسخ نظرة قاتمة حول مستقبل الديمقراطية في العراق. ومع توسع السوق السوداء للأصوات وظهور إشارات على دعم خارجي لبعض هذه الشبكات، فإن ثقة المواطنين في العملية السياسية أصبحت مهددة أكثر من أي وقت مضى، مما يعزز من مخاوف المقاطعة الشعبية. ومن الواضح أن الناخب، بدلاً من أن يكون صانع القرار، بات هدفاً للابتزاز والشراء، مما يضع الانتخابات المقبلة في اختبار وجودي لمصداقيتها ونزاهتها، بل ولسيادة العراق السياسية نفسها.

تعليقات