سباق الخيل مع الملك عبدالعزيز والروايات الغربية
في عام 1935، شهدت الرياض حدثاً مثيراً تمثل في سباق للخيل حضره الملك عبدالعزيز -رحمه الله- برفقة البريطاني غوري والدبلوماسي السير أندرو. كان الملك قد وجه الدعوة إلى الزوار لحضور هذا السباق الذي أقيم على مضمار السباق شرق الرياض. وفي صباح اليوم التالي، انطلقوا إلى شارع سباق الخيل بالملز، ليجدوا حشوداً في طريقها نحو السرادق الصغير الذي كان يمثل المنصة الملكية. ومع اكتمال الحضور، بدأت الغيوم الصغيرة من الغبار ترتفع من الخلف، حيث كان الخيالة يستعدون للشوط الأول، متباهين بسرعات خيولهم.
حالما جلسوا بجانب الملك، انطلقت الإشارة لبدء السباق الأول، الذي كان يمتد لمسافة عشرين كيلومتراً، ما يعادل أربع دورات حول المضمار. كان بصر المتسابقين من العرب حاداً، مما مكنهم من متابعة تفاصيل السباق حتى من بعيد. أتى معظم الخيالة من أفراد العائلة الملكية، وكانت خيولهم مزودة بالسروج دون ركابات أو بركائب عربية بسيطة. أثناء هذا السباق، كان يعلو صوت التهليل الهمس، وعند انتهاء الشوط الأول تقطر أحصنة متعرقة أمام المنصة، حيث قام الملك بتهنئة الفائزين بكلمات قصيرة من المدح.
بعد ثلاثة سباقات، ركب الملك سعود حصانه ومر أمام المنصة يتبعه فارسان، وقد اجتمع جميع骑ة بصفوف حول الأمير مع بعضهم يحملون الرماح أو السيوف، بينما ترك آخرون أسلحتهم لبداية المنافسة. حينما استأذن الأمير الملك للبدء، تفرقت الفرق، وبدأوا في الدوران ببطء حول بعضهم البعض. وعندما انطلقوا في لعبة “الجريد”، تزايدت حدة المنافسة، وكانت الطلقات تُسمع كل فترة بفعل الرماة الذين يستخدمون بنادقهم.
وانتشر عندها صراخ الأوامر من الأمراء، حيث تحولت المناورات للحركات السريعة. وبدأ أحد الأفرقاء بالتحدي، مما أدى لنقل المعركة إلى مستوى أعلى من الحماس، حيث تزايد عدد الطلقات والسرعة، حتى بدأ غبار المعركة يتصاعد مع الأدرينالين المتزايد. الأمير فيصل، نائب الملك في مكة، قاد رجاله الذين شقوا طريقهم بحماس، تليهم جماعة الأمير سعود، الذين شكلوا مشهداً مثيراً من الشعر الطويل والملابس نصف المتجردة، مع أقصى سرعة واندفاع. ومع انتهاء السباق، اجتمع الجميع أمام المنصة لتحية الملك.
ترافق ذلك بغزو حماسي من الحشود التي انطلقت بشكل جماعي نحو الرياض، حيث أخذت الإشارة من الملك. وقام أحد الأمراء بطلب الصبر من الجمهور، وهو يعتذر بلطف عن انتظار شقيقه فيصل القادم برفقة مرافقيه. ومع مرورهم أمام الجمهور، كان الحماس مستمراً حتى دخولهم بوابة العاصمة، حيث هم الجميع بتتبع خطواتهم.
استكشاف التاريخ الشعبي من خلال الرحالة
تكشف روايات السفراء وغرباء البلاد عن أبعاد جديدة لتاريخنا الثقافي، ونظرة عميقة على حضارتنا الشعبية التي تقاوم الزمن. رحلة غوري والسير أندرو ليست مجرد وصف لسباق الخيل، بل هي نافذة تخبرنا عن تراث يدعو للفخر والمحافظة عليه، حيث يمتزج الحماس مع الفخر الوطني في كل حركة وخطوة من ذلك اليوم. إن زيارة هؤلاء الرحالة وتجربتهم القيمة تساهم في إبراز تراثنا الشعبي، مما يستدعي المزيد من البحث والدراسة لنحافظ على هذا التراث الغني وننقله إلى الأجيال القادمة.

تعليقات