انتخابات الـ 5%: مليون ناخب يتخذون قرار 45 مليون عراقي في ظل موجة مقاطعة سياسية غير مسبوقة
الانتخابات العراقية وأزمة الشرعية
تُعتبر الانتخابات في العراق منذ عام 2005 محوراً أساسياً لمنح النظام السياسي شرعيته. حيث ينص الدستور على أنه يجب إجراء الاقتراع كوسيلة لتداول السلطة، دون تحديد نسبة مئوية أدنى للمشاركة. إلا أن هذه الشرعية القانونية لم تعد كافية في ظل تصاعد مقاطعة الناخبين وكبوة الثقة بين الدولة والمجتمع. فبينما يتيح القانون إجراء الانتخابات حتى بوجود نسبة مشاركة لا تتجاوز الخمسة في المئة، فإن المقاطعة التي أعلِنَ عنها التيار الصدري مع مجموعة من القوى المدنية والشخصيات المستقلة، تشير إلى أزمة أعمق تتعلق باستعداد المواطنين لمنح العملية السياسية غطاءً شعبياً حقيقياً.
الأزمة الجماهيرية وتأثيرها على الانتخابات
التباين بين الشرعية الدستورية والشرعية الشعبية يجعل الانتخابات القادمة استحقاقاً استثنائياً، ليس فقط بسبب موعدها المحدد في تشرين الثاني، ولكن أيضًا في ظل الانقسام الحاد بين فئات تشارك وأخرى تقاطع. يقود التيار الصدري فريق المقاطعة، بينما يسعى فريق الإطار التنسيقي وحلفاؤه إلى تأكيد وجودهم عبر صناديق اقتراع قد تفتقر إلى الناخبين. كما أن تهديدات الكرد بعدم المشاركة إن لم تُلبَّى مطالبهم تشير إلى أن هذه المقاطعة ليست فقط مظهرًا من مظاهر الغضب، بل أداة ضغط siyaasiyya قد تؤثر بشكل مباشر على شكل البرلمان القادم وشرعية النظام السياسي بشكل عام.
وفي هذا السياق، أكد الباحث في الشأن السياسي رياض الوحيلي أن الانتخابات ستظل صحيحة قانونًا حتى لو كانت نسبة المشاركة خمس في المئة. ومع ذلك، حذر من أن انخفاض هذه النسبة يعكس تراجع ثقة المواطن بالنظام السياسي ويثير تساؤلات حول قدرته على التعبير عن الإرادة الشعبية. هذا الوضع قد يعكس استمرار النظام على المستوى الدستوري، لكنه يظهر عجزه عن تحقيق غطاء شعبي يتيح له الحكم بفعالية واستقرار.
تبين الأرقام الرسمية التي قدمتها المفوضية عمق الأزمة. حيث بلغ عدد الناخبين المؤهلين أكثر من واحد وعشرين مليونًا من أصل 45 مليونًا، مما يعني أنه في حالة مشاركة خمسة في المئة فقط، سيحصل النظام على ما يقارب مليون وسبعين ألف ناخب، وهو عدد قد يضفي الشرعية الشكلية لكنه لا يعكس التمثيل الشعبي. ومع اتساع دائرة المقاطعة، وخصوصًا إذا قادتها قوى بارزة مثل التيار الصدري، فإنها قد تتحول إلى أداة سياسية تؤثر سلباً على نتائج الانتخابات.
المقاطعة لم تعد وجهة نظر عابرة، بل أصبحت خيارًا استراتيجيًا لقوى أساسية في المشهد، حيث أعلن الصدر عن رفضه المشاركة، وهو ما يربك الخصوم بشكل فعال. كما انضمت قوى متنوعة إلى هذا الرفض، معتبرة أن الانتخابات تحولت إلى إجراء شكلي لإعادة إنتاج نفس الطبقة السياسية. ومع اتساع دائرة العزوف، تتزايد الضغوط على النظام لإثبات شرعيته، مما يجعل البرلمان المقبل مهددًا بفقدان شرعيته حتى قبل أن يُشكل.
في خضم هذه الأوضاع، قدم الكاتب فلاح المشعل فرضيات حول مستقبل النظام السياسي، ومنها استمرار العملية الانتخابية على حالها بدعم من الخارج، أو احتمال تغييرات جذرية نتيجة أحداث إقليمية، أو تصاعد الاحتجاجات المحلية. وبالنظر إلى التطورات الحالية، يبدو أن المقاطعة التي يرعاها التيار الصدري تمثل مؤشراً أولياً حول إمكانية حدوث تغييرات جذرية في النظام.
بناءً عليه، تعتبر الانتخابات المقبلة اختبارًا حقيقيًا لقدرة النظام السياسي على تجسيد شرعية حقيقية. فمن الناحية القانونية، من الممكن أن تبقى الانتخابات صحيحة، لكن من الناحية السياسية، تشير نسبة المشاركة الضئيلة إلى أزمة ثقة تعمق تفكك النظام، مما يجعله أكثر عرضة للانقسامات والضغوط الداخلية والخارجية.
تعليقات