1400% نمو في أرقام المصارف: 5.6 ملايين بطاقة تعكس ملامح ‘الثورة المالية’ في العراق

التحول الرقمي في الاقتصاد العراقي

أعلن البنك المركزي العراقي عن وصول عدد بطاقات الموظفين الموطنة إلى 5.6 ملايين بطاقة، وهو ما يمثل ملمحًا هامًا من التحول الكبير الذي يشهده الاقتصاد العراقي. يعتقد المختص في الشأن الاقتصادي، ناصر الكناني، أن هذه الخطوة تمثل “تحولًا استراتيجيًا نحو الاقتصاد الرقمي وتعزيز الشمول المالي”، مشيرًا إلى أن هذا الاتجاه يتماشى مع المسار العالمي الرامي إلى تقليل الاعتماد على النقد وما يرتبط به من مخاطر مثل التزوير وغسل الأموال وضعف الرقابة.

ثورة الشمول المالي

يوضح الكناني أن الاعتماد على أنظمة الدفع الإلكتروني يفتح آفاقًا جديدة للشفافية المالية ويحسن من كفاءة التحصيل والإيرادات الحكومية، ويساهم في تقليل حجم الاقتصاد الموازي الذي أعاق تقدم الاقتصاد المدروس لسنوات. يعبر عن أمله في أن تستفيد البلاد من هذه الفرصة لتعزيز الرقابة على حركة الأموال وتوسيع قاعدة الشمول المالي، مما يعود بالفائدة على الدولة والمجتمع من خلال توفير فرص جديدة للاستثمار والادخار.

ومع ذلك، هناك تحديات كبيرة تبرز، حيث يشير الكناني إلى أهمية “البنية التحتية الرقمية وضمان وجود شبكة دفع آمنة وموثوقة تغطي جميع المناطق”، وهو ما يشكل عقبة رئيسية. إن الفجوة بين المناطق الحضرية والريفية قد تهدد نجاح هذا المشروع ما لم يتم دعمها من قبل الحكومة بتوسيع شبكة الإنترنت وضمان استقرار الكهرباء، بالإضافة إلى رفع مستوى الثقافة المالية لدى المواطنين وتشجيعهم على استخدام الوسائل الإلكترونية. يشدد على ضرورة التعاون بين الحكومة والمؤسسات المالية وموفري خدمات الدفع لتقديم حلول مضمونة تناسب جميع شرائح المجتمع، من الموظفين إلى المتقاعدين وأصحاب المهن الحرة.

تدعم البيانات الصادرة عن الحكومة ما ذهب إليه الكناني، حيث شهدت السنوات الثلاث الأخيرة طفرة ملحوظة في عدد الحسابات المصرفية التي ارتفعت إلى حوالي 20 مليون حساب، مقارنة بنحو 8 ملايين الحسابات في 2022، مما يعكس نمواً بلغ نسبته 150%. فيما بلغ عدد البطاقات المصرفية المختلفة حوالي 21 إلى 22 مليون بطاقة، بزيادة تقدر بنحو 38%. كما ارتفعت أعداد أجهزة نقاط البيع بشكل غير مسبوق لتصل إلى 62 ألف جهاز، بينما قفز عدد أجهزة الصراف الآلي إلى 7531 جهازًا، مقارنة بـ 2223 جهازاً قبل ثلاث سنوات.

تتجلى التحولات بشكل أوضح عند النظر إلى إجمالي المدفوعات الإلكترونية، التي بلغت 1.37 ترليون دينار في مايو 2025، بعد أن كانت 90 مليار دينار فقط في نهاية 2022، وهو ما يمثل نمواً مذهلاً بقيمة 1400%. كما ارتفعت نسبة الشمول المالي إلى حوالي 40% بعد أن كانت تحت 10% في 2019، مما يبرز دخول شريحة عريضة من المجتمع في النظام المالي الرسمي بعد عقود من الاعتماد على النقد الورقي.

يؤكد الكناني أن هذه المؤشرات تشير إلى بداية جديدة في العلاقة بين الدولة والمواطن، مع تحقيق المشاريع الحكومية الحالية مثل البطاقة المحلية والدفع السريع والجباية الإلكترونية الموحدة، شرط أن يتم معالجة المعوقات التقنية والتشريعية من خلال خطة وطنية مدروسة وتوعية شاملة للمواطنين. إذا تمت الاستفادة بجدية من هذه الطفرة الرقمية، فإن الموعد المحدد في يوليو 2026 قد يكون نقطة تحول حقيقية نحو اقتصاد أكثر انضباطًا وعدالة واندماجًا مع النظام العالمي.