“فيلق الإبل” يستكشف الروابط التاريخية بين العرب وأميركا
أصدرت دار تشكيل في الرياض رواية جديدة بعنوان “فيلق الإبل” للكاتب السعودي أحمد السماري، وتأتي ضمن الإصدارات المتميزة التي ستشارك في معرض الرياض الدولي للكتاب 2025، المقرر إقامته من 2 إلى 11 أكتوبر بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن.
تعيد “فيلق الإبل” تفسير العلاقات الإنسانية عبر الزمانتتجلى أهمية هذا الإصدار في توجه الرواية السعودية لاستكشاف مجالات جديدة من التاريخ والخيال، حيث تسعى إلى خلق علاقة بين المحلي والعالمي من خلال استعادة أحداث منسية وإعادة صياغتها بطريقة سردية عصرية. تنطلق الرواية من حدث تاريخي فريد يعود للقرن التاسع عشر، يتناول محاولة الجيش الأميركي تشكيل “فيلق الإبل” كجزء من جهود اللوجستيات لتأمين الإمدادات في المناطق الصحراوية. هذه التفاصيل الدقيقة تعزز من واقعية السرد وتبين القدرة الفائقة للكاتب في تشكيل تجربة تاريخية تعكس اللحظة الراهنة.
تتيح الرواية للكاتب فرصة بناء عالم أدبي يتجاوز سرد التاريخ المباشر، حيث يناقش قضايا التبادل الحضاري والهجرة والاغتراب. تتمحور الأحداث حول شخصية الحاج علي، الذي ينتقل من بريدة إلى الصحاري الأمريكية، مقدماً صورة رمزية عن الانتقال بين ثقافتين، وموضحاً مسارات الأفراد الذين أصبحوا جسوراً بشرية تربط بين الشرق والغرب.
تتعدد الشخصيات الرائجة في الرواية، مثل “مناور” و”سليمان” و”هيلين”، التي تعيش تجارب صعبة في زمن الحروب والتهجير. يتلقى القارئ من الكاتب سردا دقيقا يوزع الأدوار بحرفية عالية، بحيث تمثل شخصية “شعيفان” الكلب المرافق رمزاً يعكس قيمة الوفاء في وجه الارتباك الإنساني.
لا تقتصر الرواية على سرد الأحداث بل تمتد لتطرح تساؤلات واسعة حول الانتماء والذاكرة. عبر تقديم رحلة العقيلات، لا يقتصر السماري على توثيق الأحداث، بل يربطها بتجارب إنسانية عميقة تتعلق بالسعي والمخاطرة وحلم العبور. حين يعرض نهاية الحاج علي في أريزونا عام 1902، مُظهراً نصبًا يرمز إلى التلاقي الثقافي، فإنه يبدأ رحلة تعكس الذاكرة المشتركة بين شعوب مختلفة.
تسمح الرواية للكاتب باستثمار مزيج من البحث والتخييل، حيث يستند إلى مراجع وصور ومواد توثيقية، لكنه يترك للمحتوى حرية تأويلية تُفضي إلى إعادة تشكيل التاريخ، مما يفسح المجال لأسئلة فلسفية تتعلق بالعلاقة بين الأفراد ومجتمعاتهم، وبين المجتمعات وتاريخها.
بهذه الطريقة، تعبر “فيلق الإبل” عن وجه جديد من الرواية التاريخية العربية، التي لم تعد ترى الماضي كحدث مغلق، بل كنافذة لاستكشاف الحاضر والإجابة عن أسئلته. يسهم هذا العمل في تعزيز مكانة أحمد السماري في الساحة الأدبية السعودية، حيث يواصل من خلاله مشروعه السردي الذي يستند إلى استعادة التاريخ وتجسيده في شكل أدبي يبرز قيمة الإنسان وسط تحولات الزمن. كما تُثبت دار تشكيل قدرتها على التميز بين دور النشر التي تهتم بالأعمال الفكرية والجمالية، مما يمنح الرواية السعودية الفرصة للتواصل بجرأة مع القارئ العربي والعالمي.
تعليقات