التصحر في العراق: تحديات وآثار
تشكل ظاهرة التصحر أحد أخطر التحديات البيئية التي تواجه العراق في الوقت الراهن، حيث تطورت لتصبح عملية بنيوية تهدد الأسس الجغرافية والاقتصادية والصحية. فقد أدت التغيرات المناخية، وتراجع الموارد المائية، وإزالة الغطاء النباتي إلى زيادة هشاشة البيئة العراقية، مما ساهم في ظهور العواصف الترابية التي تؤثر سلباً على الصحة العامة والاقتصاد. يُشير المختصون إلى أن ما يعرف بالنقاط الرمادية في جغرافيا العراق قد أصبحت مناطق خطر تسهم في توليد هذه العواصف، مما يضاعف أضرارها.
التدهور البيئي: المخاطر الناتجة
في حديثه، أشار عضو لجنة الزراعة والمياه النيابية، ثائر الجبوري، إلى أن دراسات خبراء المناخ والجغرافيا تُظهر أن هناك ست مناطق في مختلف أنحاء البلاد تعاني من تصحر شديد، مما يُعتبر مصدراً رئيسياً لموجات العواصف الترابية التي تضرب العراق. هذا الأمر ينعكس سلباً على البيئة والصحة العامة. وقد أكدت التحليلات أن التصحر يهدد نصف الأراضي العراقية، حيث تزايدت وتيرة العواصف الترابية خلال السنوات الأخيرة. وفي إيضاحه لمدى تأثير هذه الظاهرة، ذكر الجبوري أن هذه المناطق أصبحت نقاطاً رمادية خطيرة أدت إلى زيادة العواصف الترابية بنسبة تصل إلى 20% في السنوات الثلاث الماضية. الأرقام المتاحة تُظهر أن التدهور المستمر في التربة وغياب الغطاء النباتي يكشف عن تحول الكثبان الرملية إلى مصادر طبيعية للغبار، مما يؤكد أن الوضع لم يعد مجرد أزمة موسمية.
معالجة هذه المشكلات تتطلب اتخاذ حلول فورية للحد من زحف هذه المناطق؛ وهذا يتضمن إنشاء أحزمة خضراء مستدامة، وكذلك التفاعل مع بيانات الخبراء البيئيين. تتماشى هذه الدعوة مع توصيات برامج مكافحة التصحر التي توقفت منذ سنوات، والتي كان يمكن أن تُسهم في إبطاء حركة الرمال وحماية المدن من التعرض للتعرية الهوائية. المختصون يرون أن تنفيذ استراتيجيات فعالة يحتاج إلى استثمارات طويلة الأمد، وإدارة حكيمة للمياه، واتباع أنظمة ري حديثة، بالإضافة إلى إنعاش مشاريع التشجير. التحذيرات التي أطلقها الجبوري تُبرز خطورة تجاهل هذه الإجراءات.
وفي ختام حديثه، أكد الجبوري على أهمية الانفتاح على المراكز العالمية المختصة في مجال البيئة لتطوير خارطة طريق واستراتيجية وطنية لمواجهة تحديات التصحر. هذا الطرح يتماشى مع توصيات تقارير دولية تدعو إلى ضرورة اندماج العراق في مشاريع إقليمية للتكيّف مع التغير المناخي، والحصول على الدعم الفني والمالي اللازم. وأشار الجبوري إلى أن الحلول المؤقتة لم تعد كافية، وأن العراق بحاجة إلى خطة شاملة مستدامة.
تصريحات الجبوري تؤكد أن النقاط الرمادية لم تعد مجرد فراغات جغرافية، بل أصبحت بؤراً تهدد الأمن البيئي للعراق، حيث تنتج الغبار والعواصف على نطاق واسع، مما يُثقل كاهل الدولة بأعباء صحية واقتصادية متزايدة. فالتصاعد في الظاهرة خلال السنوات الثلاث الماضية بنسبة 20% يُشير إلى احتمال تفاقم الأوضاع إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة. لذا، فإن إنشاء الأحزمة الخضراء، التعاون مع الخبراء، والانفتاح على المراكز الدولية ليست مجرد ترف سياسي، بل هي ضرورة حيوية لمجتمع يواجه تحديات بيئية خطيرة. العراق اليوم يقف أمام مفترق طرق: إما ترجمة هذه التحذيرات إلى استراتيجية وطنية متكاملة، أو الاستمرار في دوامة العواصف المتزايدة التي قد تحول النقاط الرمادية إلى مساحات مظلمة.
تعليقات