مصر وإيران: تحويل المستحيل إلى ممكن في عالم النووي بين تعنت واشنطن واتفاق القاهرة

أزمة البرنامج النووي الإيراني وتأثيرها على العلاقات الدولية

على الرغم من النجاحات الدبلوماسية المصرية في تعزيز الحوار بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية من خلال اتفاق مهم وُقع في القاهرة أوائل هذا الشهر، فإن مجلس الأمن قد اتخذ قرارًا مؤخرًا برفض رفع العقوبات عن إيران، مما فُهم كخطوة جديدة تعكس تصلب المجتمع الدولي في مواجهة طهران. هذا القرار يعكس استمرار هيمنة الرؤى الأمريكية والأوروبية على ميزان القوى داخل المجلس، على الرغم من التغيرات العالمية المستمرة.

التوترات بين طهران والعالم

أبدت إيران استياءً من موقف مجلس الأمن، مشيرةً إلى أنه يمثل اعتداءً على حقها في الحصول على نتائج التزاماتها الدولية. رأت تهديدات العقوبات كامتداد لسياسات واشنطن العقابية التي تم فرضها منذ انسحابها من الاتفاق النووي في عام 2018. واعتبرت طهران أن الضغوط التي تواجهها تعكس ازدواجية المعايير، حيث تُعاقب على التزامها بينما تُكافأ إسرائيل التي تمتلك قدرات نووية دون أي قيود.

يُظهر السياق التوترات المتزايدة بين الولايات المتحدة وإيران، حيث حاولت واشنطن استخدام ما وصفته بآلية الزناد كأداة للضغط المستمر على إيران، مما يزيد من حالة القلق والإجهاد في المنطقة. لم تكتفِ الولايات المتحدة بالانسحاب من الاتفاق النووي، بل استمرت في استراتيجيات جديدة تحاول من خلالها السيطرة على الوضع في المنطقة، ما يجعل الوضع بينهما يمثل تحديًا كبيرًا للمجتمع الدولي.

للتعمق أكثر في هذه الأزمة، لابد من العودة إلى توقيع اتفاق عام 2015 المعروف بـ”خطة العمل الشاملة المشتركة”. على الرغم من كونه نقطة تحول تاريخية بشروطه التي فرضت قيودًا على البرنامج النووي الإيراني، إلا أنه محاصر بالتحفظات والتوترات. وازدادت الأمور تفاقمًا بعد مضي وقت على تولي ترامب رئاسة الولايات المتحدة، حين قرر إلغاء الاتفاق وفرض عقوبات صارمة على إيران، مما أدى إلى تفاقم الثقة بين الطرفين والعودة التدريجية لإيران إلى تخصيب اليورانيوم.

تصريحات الرئيس الفرنسي ماكرون الأخيرة، التي تضمنت إشارات إلى إعادة فرض العقوبات على إيران، زادت من التوتر. إذ عُدّت تلك التصريحات إعادة إنتاج للنغمات الأمريكية، مما عكست انعدام القدرة الأوروبية على إحداث تغيير حقيقي. كان رد إيران عبر وزير خارجيتها، الذي وصف تلك التصريحات بأنها نوع من الابتزاز السياسي، إشارةً واضحة إلى أن طهران لن تنصاع لتلك الضغوط وأن سبيل الحل يكمن في احترام الالتزامات الدولية.

بروز مصر في هذا السياق كوسيط رئيسي يعكس تحولات مهمة في المشهد الإقليمي والدولي. اتفاق القاهرة، الذي وُقع تحت رعاية مصر، يُعتبر علامة على قدرة القاهرة على استعادة دورها التاريخي كفاعل رئيسي في المنطقة. وقدمت مصر نفسها كوسيطة مقبولة من جميع الأطراف، قادرة على تقديم حلول تعتمد على الحوار بدلاً من التهديد.

هذا الدور المصري لا يعكس فقط تفهم القاهرة لأهمية تجنب التصعيد العسكري، بل يشير أيضًا إلى إمكانية إيجاد مسارات جديدة للحل، ما يفتح آفاقًا جديدة للتواصل بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية. من خلال هذا الاتفاق، تُظهر مصر أنها ليست مجرد طرف خارجي، بل فاعل رئيسي يعيد تشكيل التوازنات في المنطقة في ظل تصاعد التوترات.

في الختام، على الرغم من أن الاتفاق الأخير في القاهرة قد لا يمثل الحل النهائي، إلا أنه يُعتبر بداية لمسار جديد يمكن أن يؤدي إلى بناء الثقة أو استمرار التوترات. ومع تضاعف الاحتمالات، تظل مصر لاعبًا أساسيًا يسهم في تعزيز الحوار ويحافظ على الاستقرار الإقليمي.