مستقبل رئاسة الحكومة العراقية
تتسارع الأحداث في الساحة السياسية العراقية وسط جدل متزايد حول مستقبل رئاسة الحكومة مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية القادمة. لم يعد موضوع تجديد الولاية الثانية لرئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني نقاشًا داخليًا فحسب، بل أصبح قضية استراتيجية تختبر قدرة الإطار التنسيقي على الحفاظ على وحدته. تعكس المداولات الدستورية أن الدورات الحكومية في العراق، رغم ارتباطها بآليات الأغلبية داخل البرلمان، إلا أنها تتصل بشكل مباشر بالتوازنات السياسية داخل البيت الشيعي، الذي يمثل القوة الأكبر في تشكيل الحكومات.
إشكالية الولاية الثانية
في هذا السياق، أشار الباحث جاسم الغرابي إلى أن الانقسام داخل الإطار التنسيقي حول منح الولاية الثانية للسوداني يعكس حجم التباين في الرؤى والمصالح داخل البيت الشيعي. هذا الانقسام ليس بالأمر الجديد، بل يعكس تراكمات منذ عام 2003، حيث غالبًا ما كانت التحالفات تتشكل بناءً على قاعدة توزيع النفوذ بدلاً من الالتزام ببرامج سياسية موحدة. كما أوضح أنه بين القوى السياسية المختلفة، هناك من يرى في السوداني شخصية توافقية قادرة على إدارة المرحلة المستقبلية وكسب ثقة الشارع بعد الإصلاحات التي أطلقها، في حين تخشى أطراف أخرى من تعزيز سلطته السياسية وتراجع دورها في المشهد السياسي.
تشير التجارب السياسية في الأنظمة التوافقية إلى أن شخصية رئيس الحكومة تلعب دورًا حيويًا في تجديد التوازنات الداخلية، مما يجعل موقف السوداني محل جدل بين من يراه ضامنًا للاستقرار ومن يعتبره تهديدًا لمواقع الأطراف الأخرى. أضاف الغرابي أن المشكلة تمتد إلى حسابات أخرى تتعلق بالانتخابات المقبلة وتوازن القوى، بالإضافة إلى علاقات العراق مع العالم الخارجي، مما يعني أن استمرار هذا الانقسام قد يؤثر سلبًا على استقرار العملية السياسية، ما لم يتم التوصل إلى تفاهمات جديدة.
في تحليل إضافي، أشار الغرابي إلى أن حسم موضوع الولاية الثانية للسوداني يعتمد على موازين القوى داخل الإطار التنسيقي، ومدى قدرته على استثمار الدعمين الشعبي والدولي لتعزيز مكانته. يُظهر هذا الواقع طبيعة النظام السياسي العراقي القائم على التوافق، حيث تُبنى القرارات على التوازن الداخلي ودعم الجهات الخارجية. يعكس المشهد الحالي أن الانقسام حول ولاية السوداني الثانية هو خلاف استراتيجي، حيث يعتبر البعض ذلك فرصة للحفاظ على الاستقرار بينما يعتبره آخرون تهديدًا للنفوذ التقليدي.
في ختام التحليل، يتضح أن حسم هذه المسألة يتوقف على قدرة السوداني على تعزيز شعبيته، ومدى ما يمكنه تقديمه من ضمانات للأطراف المترددة. كما أن التفاعلات الإقليمية والدولية تلعب دورًا كبيرًا في تحديد ما إذا كان بالإمكان تمديد ولاية السوداني الثانية. في الأثناء، يبقى مستقبل العملية السياسية بالعراق معلقًا على نجاح الإطار التنسيقي في تجاوز خلافاته الداخلية دون أن تتفاقم وتسهم في ضعف مؤسسات الدولة وفتح الباب لمزيد من الانقسامات.

تعليقات