فجوة الرواتب في الأردن
لا يحتاج المرء إلى تقرير صحيفة “الإندبندنت” البريطانية ليكتشف الفجوة الواسعة بين رواتب المسؤولين المتضخمة ومعاناة المواطنين اليومية في الأردن. فنحن، الذين نعيش الواقع من كثب، ندرك تماماً صدق هذه الحقيقة مع كل فاتورة كهرباء نستلمها ومع ارتفاع أسعار السلع في الأسواق. بينما يتجلى الأمر بصورة صارخة بين قلة نادرة تتقاضى رواتب تصل إلى 50 ألف دولار شهرياً، في الوقت الذي لا يتجاوز فيه الحد الأدنى للأجور 400 دولار. هو مشهد غريب، فبينما تذهب هذه القلة لاختيار السيارات الفارهة، يجد الكثيرون أنفسهم مضطرين للعدّ على الأصابع لتأمين ما يكفي من المال لسداد الإيجار أو شراء الأدوية.
التمييز الاقتصادي
دائماً ما تُبرّر الحكومات هذا التفاوت بأنه “حق مكتسب” للأشخاص ذوي الكفاءات والخبرات، لكن هل هذه الخبرات تتعلق بتدوير المناصب بين المعارف أو زيادة نسبة المديونية التي تجاوزت الخمسين مليار دولار؟ إن كان هذا هو معيار الكفاءة، فما هي مقاييس الفشل إذن؟ الأردن يعتمد على المنح والقروض، بينما يعيش عدد من المسؤولين حياة الترف، في حين يكافح المواطن من أجل تأمين قوت يومه. هذا يدفع للتساؤل: هل نعيش في دولة واحدة حقاً، أم هناك دولتان متضادتان؛ واحدة للنخبة وواحدة للشعب الذي يصارع من أجل البقاء؟
الصحيفة تشير إلى ظهور “برجوازية جديدة” بتفرّدها، لكننا نرى أنها طبقة محصّنة، منغلقة على نفسها، تعيش في أبراج زجاجية محاطة بكثير من الامتيازات، لا تصلها صرخات الناس ولا معاناتهم. هذا الانتفاخ الوظيفي للرواتب لا يجلب سوى الغضب الشعبي، ويعزز قناعة بأن العدالة باتت شيئاً نادراً. كيف لمجتمع ومواطنين يُجبرون على تحمل أعباء الحياة اليومية أن يتحدثوا عن المساواة أو الفرص المتكافئة؟
في النهاية، فإن استمرار هذه الفجوة الاقتصادية لا يُعد فقط مشكلة مالية بل يُزرع عدم الثقة في الدولة ومؤسساتها. حين يشعر المواطن بأن هناك “شعبين” في بلد واحد، فسيرى في السياسات مجرد أدوات للحفاظ على الامتيازات، وليس لتحقيق الإصلاحات الحقيقية. هذه وصفة خطيرة لأي نظام يسعى للاستقرار.
باختصار، لم يكن تقرير “الإندبندنت” فضيحة كبرى بقدر ما كان صفحة جديدة من الحياة اليومية نحن متعايشون معها. نحن نعرف الحقيقة قبل أن تُكتب في لندن. لذا، ينبغي علينا أن نسأل بوضوح: متى يصبح الإصلاح الاقتصادي واقعاً يُعاش بدلاً من كونه عناوين في التقارير الخارجية؟ ومتى ستُكسر تلك الحواجز التي تفصل النخبة عن المواطنين؟
حتى ذلك الحين، سيستمر المواطن في عدّ القروش في طوابير الخبز، بينما ينشغل المسؤولون بعدّ الدولارات في أبراجهم. تبقى القصة مستمرة!
في الأردن، يعيش المواطن تحت وطأة البحث عن دينار لتسديد فواتير الكهرباء، بينما المسؤول يتعقب فرص جديدة لتوظيف جزء من راتبه الم extravagant في بلدان أخرى.

تعليقات