أكاديمية الاستثمار: ضرورة استراتيجية وليست ترفًا

الاستثمار: أساس التنمية المستدامة

تحدث إليّ صديق وأخبرني عن فرصة استثمارية وجَدها في الخارج من خلال أحد السماسرة الأجانب. وشرح لي تفاصيلها بشكل مقنع، على الرغم من عدم ضمانها، وكانت تبدو مغرية للغاية. لذا، نصحته بالتواصل مع الجهات الحكومية المعنية، مثل وزارة الاستثمار والسفارة السعودية في ذلك البلد، للتحقق من صحة هذه الفرصة والوسيط المعني.

فرص الاستثمار والتأهيل الاحترافي

منذ تنظيم القطاع المصرفي السعودي قبل ستين عامًا، ساهم تأسيس المعهد المصرفي بشكل كبير في تأهيل الكوادر الوطنية من خلال برامج تعليمية أكثر تخصصًا من التعليم التقليدي. وقد حقق المعهد مكانة مرموقة على مستوى المنطقة. وبالمثل، عندما عملت الهيئة العامة للعقار على تنظيم السوق العقاري، كان للمعهد العقاري دور بارز في التوعية وبناء المعرفة في قطاع اعتمد سابقًا على التنظيم العرفي. كما أسهمت أكاديمية صندوق التنمية الصناعي في تطوير الكفاءات البشرية في هذا القطاع الحيوي.

يعد الاستثمار بخططه وإدارته وأحكامه جزءًا أساسيًا من النجاح في تحقيق التنمية المستدامة. ففهم الفرص المتاحة وإدارة المخاطر والتخارج المدروس ليست بالأمور السهلة، بل تحتاج إلى تأهيل عميق. وتجسد الاستثمارات السعودية الخارجية على مستوى الأفراد مثالًا واضحًا، حيث إن حجمها كبير ولكن قطاعاتها وعوائدها ما زالت غير واضحة، مما يستلزم توجيهها بشكل صحيح لتحسين العوائد وحمايتها من المخاطر. هذا يجعل الاستثمار في الكوادر المؤهلة ضرورة لتحويل هذه التدفقات المالية إلى إنجازات استراتيجية تفيد الوطن والأفراد.

عند إلقاء نظرة على دور الجهات المشرعة المنظمة للاستثمار في المملكة، نجد أن نجاح هذه المؤسسات يرتبط بكفاءة العاملين فيها. فاختيار الأشخاص القادرين على تحليل الفرص والتحديات مهم جدًا من أجل تحقيق أهداف رؤية المملكة الطموحة. يحتاج المستثمر، سواءً كان محليًا أو أجنبيًا، إلى بيئة تنظيمية داعمة ومستشارين مهنيين لمساعدتهم على التغلب على التحديات.

لقد جعلني سؤال صديقي أفكر كثيرًا حول ما يجب القيام به. لكي نكون قادرين على منافسة الدول الأخرى في جذب الاستثمارات وتعزيز الاستثمارات السعودية، سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات أو الحكومات، نحتاج إلى استراتيجية استثمارية واضحة تستند إلى واقع السوق وتطبق أعلى المعايير العالمية. ومن هنا يظهر دور المنظم الحكومي، بجانب أهمية دعم الشركات الاستشارية السعودية في الأعمال الدولية لتقديم حلول فعالة لدخول الأسواق والتوسع والتخارج.

في الختام، الاستثمار ليس مسألة عشوائية بل هو عملية استراتيجية تعتمد على التخطيط والتأهيل. فهو ليس مجرد أرقام تُعلن في فعاليات أو اتفاقيات تبقى على الورق، بل هو عائد ملموس على الاقتصاد الوطني يشعر به المواطن والمستثمر على حد سواء. ولترجمة طموحاتنا إلى إنجازات فعلية، يجب أن نبدأ من الأسس من خلال إنشاء أكاديمية وطنية تستثمر في تطوير العقول قبل استثمار الأموال.