إسرائيل تعود كعدو من جديد

إسرائيل في دائرة العداء: من السلام إلى النزاع

قبل اندلاع الحرب في غزة، كان الوضع الإقليمي يشهد تحولاً ملحوظاً، حيث بدا أن إسرائيل تسعى للخروج من حالة العداء التي حاصرتها لعقود. اتفاق معاهدة كامب ديفيد مع مصر، وكذلك اتفاق وادي عربة مع الأردن، تلاها سلسلة من اتفاقيات أبراهام، كلها ساهمت في تشكيل انطباع بأن إسرائيل تتحول تدريجياً إلى جار مقبول، أو على الأقل شريك اقتصادي محتمل. ومع ذلك، فإن السياسات الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو بدت معاكسة للتوجهات الإيجابية، حيث أدت الحرب في غزة إلى تعميق العداء واستعادة إسرائيل لمكانتها كخصم جماعي للعرب والمسلمين.

تجلت مآسي الحرب في غزة من مقابر جماعية وتهجير قسري، مما ساهم في تعزيز مشاعر الخوف من إسرائيل. ومع أن الكثير من الشعوب العربية تعتبر إسرائيل عدوًا مطلقًا، فإن الحكومات، رغم عدم إعلانها ذلك علنًا، تسير وفق هذا الإدراك المتزايد.

الخصم المُعاد تجسيده

اليوم، لم تعد إسرائيل شريكًا معترفًا به من قِبَل الدول العربية. على الرغم من استمرار المعاهدات، فإن واقع الصراع يفرض وجودها كتهديد. قد تُسمى هذه الحالة “سلام القوة”، الذي يُفترض أن يحقق قبولاً إسرائيليًا في المنطقة عبر استخدام القوة العسكرية والتفوق التكنولوجي والدعم الأمريكي. لكن، تبين أن هذا النوع من السلام قد تحول إلى “سلام الخوف”، حيث لم تعد الدول العربية ترى في إسرائيل فقط شريكًا، بل تهديدًا وجوديًا يستدعي إعادة ترتيب الأولويات والتحالفات.

تظهر التحولات الأخيرة في السياسة الإقليمية كيف أن بعض الدول بدأت تتجاهل الخلافات السابقة لتشكيل تحالفات تواجه التحديات المشتركة. التحالف الاستراتيجي بين السعودية وباكستان، مثلاً، أصبح رسالة واضحة لمواجهة المخاطر القائمة، بينما شهدنا أيضًا مناورات بحرية مشتركة بين مصر وتركيا، مما يعكس رغبة الدولتين في تجاوز الخلافات لمواجهة التوسع الإسرائيلي في شرق المتوسط.

هذا التقارب بين مصر وإيران، بالإضافة إلى دعوات حزب الله بإعادة العلاقات مع السعودية، يوضح إدراك القوى السياسية في المنطقة بأن الصراعات الداخلية لم تعد تُعتبر كماليات في ظل وجود عدو مشترك يهدد الجميع. إن هذه الشبكة من العلاقات المتطورة لا تُعتبر تفاصيل صغيرة، بل تعكس إعادة رسم خريطة التحالفات بناءً على فهم أعمق لمأساة الوضع الإسرائيلي.

بفضل سياسات نتنياهو، عادت إسرائيل بقوة إلى مركز دائرة العداء، وهو ما بات يحدد السياسات الإقليمية بشكل متزايد. ففي عالم اليوم، قد تكون المعاهدات قائمة، لكن العداء هو الذي يحكم العلاقات. الآن، نجد أن إسرائيل محاطة بسياج من العزلة رغم كميات الاتفاقيات الموجودة، مما يجعل كل تحرك سياسي في المنطقة مرتبطًا بالخوف من هذه الدولة أكثر من أي اعتبارات أخرى.