تجربة رئاسة تحرير مجلة البيت
عندما رن هاتفي، تلقيت مكالمة من زميل قديم يصر على مناداتي بـ«أستاذتى»، وهذا أسعدني كثيرًا. قد كانت المكالمة قصيرة، لكنها أعادتني إلى سنوات بعيدة، وتحديدًا إلى عام 2000، حين أسست مجلة «البيت» وتوليت رئاسة التحرير لمدة أربع عشرة سنة، كانت مليئة بالتجارب التي لا تُنسى.
ذكريات إدارة المجلة
في تلك الفترة، لم أكن أدير مجلة فحسب، بل كنت أبتكر نهجًا جديدًا في الإدارة داخل الأهرام، أسلوب صارم جعل فريق العمل يشعر كأنهم يستعدون لعروض مسرحية على أكبر المسارح العالمية. كانت المواعيد النهائية تعتبر مقدسة، والمتابعة كانت دائمة، حيث لم يكن هناك مجال للتراخي أو التساهل. البعض وصفوني بأنني سابقة لعصري، بينما اعتبر آخرون أنني كنت متطلبة بشكل مبالغ فيه.
ثم جاء فيلم The Devil Wears Prada الذي قامت ببطولته ميريل ستريب، حيث قدمت شخصية ميراندا بريستلى، أشهر رئيسة تحرير في عالم المجلات، وقد اعتبر فريق العمل أنني أبدو مثلها. لم أكن أشبهها تمامًا، لكنني كنت أطلب الكمال وأتوقع من الجميع تحقيق المستحيل بابتسامة. بينما ضحكت عند مشاهدة الفيلم، لم يشارك الفريق هذا الشعور!
اليوم، بعد تنحي آنا وينتور وظهور خليفتها، اعترفت الأخيرة لحظة نادرة بأن الفيلم كان يعبر عن الواقع الذي تعيشه في عالم الصحافة، مما جعلني أبتسم. فصناعة المجلات تشبه كثيرًا صناعة الأفلام، فهناك ممثلون (مثل الصحفيين والمصورين والمصممين)، وسيناريو (خطة التحرير)، ومخرج (رئيس التحرير)، وموعد نهائي (ليلة العرض الأول) يتكرر كل شهر.
القارئ يرى فقط النسخة النهائية اللامعة، لكنه لا يعرف الفوضى التي تحدث خلف الكواليس، حيث الكتاب يكتبون حتى الفجر، وهناك مشكلات مثل تنافس مهندس الديكور مع ستارة عنيدة، بينما أمشي مثل المخرج الذي يتساءل عما إذا كان الأبطال سيتقنون أدوارهم في النهاية.
إدارة المجلة تتطلب رؤية دقيقة و«كوريوجرافى»، بالإضافة إلى لمسة من الصرامة مختلطة بروح الدعابة حتى يبقى أعضاء الفريق متحفزين. في «البيت»، كان لدينا قاسم مشترك من الضحك حتى أثناء اللحظات الصعبة، حيث بدون هذا الجنون المشترك لما كنا لنحقق النجاح الذي حققته المجلة في مصر والشرق الأوسط. هل كنت ميراندا بريستلى في مصر؟ ربما، لكن دون كل ما يحيط بها من مظاهر وبذخ، وبدلاً من ذلك كنت أتحلّى بروح السخرية، لأن الحقيقة هي أن الشيطان لا يرتدي ملابس باهظة، بل يحمل القلم الأحمر ويعيش داخل المواعيد النهائية!

تعليقات