اتفاقية السعودية وباكستان: خطوة استراتيجية جديدة تعيد تشكيل الأمن الإقليمي

إتفاقية الدفاع المشترك بين السعودية وباكستان وتأثيراتها الإقليمية

توقيع المملكة العربية السعودية اتفاقية دفاع مشترك مع باكستان يعكس عمق التحولات التي تشهدها المنطقة، حيث تعد هذه الخطوة بمثابة إعادة رسم لتوازنات القوى في الشرق الأوسط وتوجه نحو مرحلة جديدة تعتمد على البحث عن بدائل أكثر فعالية وصلابة بدلًا من الارتهان للمظلة الأمنية الأمريكية.

تأتي هذه الاتفاقية في ظل تزايد القناعة في دول الخليج بأن الضمانات الأمريكية لم تعد كافية، خاصة بعد الهجوم الإسرائيلي على الأراضي القطرية، الذي كان بمثابة نقطة فاصلة في إدراك دول الخليج لمدى التزامات الولايات المتحدة وقدرتها على ردع الاعتداءات. لسنوات عديدة، كانت الولايات المتحدة تُعتبر الحامي التقليدي لحلفائها في الخليج، لكن موقفها الأخير تجاه الاعتداء الإسرائيلي على قطر كشف حدود هذه الحماية، إذ لم تبد واشنطن استعدادية للتدخل المباشر أو فرض حدود حقيقية على إسرائيل، مما أضفى حالة من الشك على مصداقيتها.

وعلى الرغم من وعد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بالحفاظ على أمن الحلفاء، أثبت الواقع أن هذه الوعود كانت أقرب إلى الشعارات السياسية منها إلى التزامات استراتيجية، مما دفع الرياض إلى مراجعة خياراتها والبحث عن شريك دفاعي يمكنه تقديم مظلة ردع فعالة. اختيار السعودية لباكستان لم يكن عشوائيًا، فالعلاقة بين البلدين تمتد لعقود، لكن الاتفاقية الأخيرة تحمل أبعادًا استراتيجية جديدة.

اتفاقية الدفاع المشتركة بين السعودية وباكستان

تصريحات المسؤولين الباكستانيين بأن “القدرات النووية الباكستانية قد تُتاح للمملكة إذا اقتضت الضرورة” أضافت بُعدًا ردعيًا مهمًا للاتفاق، مما يجعل المراقبين يرون فيه أكثر من مجرد تفاهم عسكري. فعنصر القوة النووية في باكستان، حتى لو كان ضمنيًا، يُعيد تشكيل معادلة الردع في المنطقة، ويرسل رسائل قوية إلى كل من إيران وإسرائيل.

المفارقة الكبرى تكمن في أن هذه الاتفاقية أُبرمت بعد أن كانت السعودية على مقربة من الانضمام إلى اتفاقيات إبراهام وتطبيع العلاقات مع إسرائيل، إلا أن سلوك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو غيّر كل شيء. الهجمات الإسرائيلية عبر الحدود، والتي خالفت عددًا من القوانين الدولية، قد رَسَّخت قناعة سعودية بأن تل أبيب ليست شريكًا موثوقًا بل تمثل خطرًا على أمن المملكة. ومن هنا جاء اتجاه السعودية لتوقيع اتفاق دفاع مشترك مع باكستان كرسالة واضحة أن الرياض لا تنوي الانتظار حتى تقع في مفاجآت أمنية.

يتضح أن هذه الاتفاقية تُعيد رسم خريطة النفوذ في المنطقة، فليس فقط أنها تُضعف من موقف الولايات المتحدة كضامن وحيد للأمن الإقليمي، بل تفتح الباب أمام توازنات جديدة. إدخال البُعد النووي حتى من الناحية النظرية إلى معادلة الأمن الخليجي يُمثل نقطة تحول حاسمة، قد تدفع القوى الإقليمية الكبرى مثل إيران والهند، وكذلك الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا، إلى إعادة تقييم استراتيجياتها.

ستبرز العديد من السيناريوهات بعد توقيع الاتفاق، منها إمكانية تحقيق ردع ناجح واستقرار نسبي، بالإضافة إلى احتمال حدوث سباق تسلح وتحالفات جديدة قد تعمق حالة الاستقطاب. بالمقابل، قد يؤدي إدخال البُعد النووي إلى تعزيز خطر التصعيد والاهتزاز الأمني في المنطقة.

ورغم أهمية الاتفاق، يظل رهينًا لعدة عوامل داخلية في باكستان، فقد تُعيق الأزمات الاقتصادية والسياسية قدرة إسلام آباد على الالتزام بتعهداتها الدفاعية. وفي السعودية، يجب أن يتوازن الرهان على مظلة خارجية مع متطلبات الإصلاح الداخلي لضمان عدم التحول إلى عبء على الخطط السياسية والمالية. في النهاية، تعد هذه الاتفاقية علامة فارقة قد تحدد مصير المنطقة لعقود، مع تلاشي الثقة في الولايات المتحدة وتحول إسرائيل من شريك محتمل إلى تهديد استراتيجي، مما قد يفتح آفاق جديدة للردع ولكنه يحمل أيضًا مخاطر التوترات المتصاعدة.