من مأساة إلى أخرى: تجربة الموت تلاحقنا في أخبار اليوم المحلي

أرسلت عائلتي إلى الجنوب، لكنني بقيت في غزة لأودع شوارعها وأرثيها. أنا جالس في بيت والدي، أتأمل في معالم المدينة التي لا تزال قائمة. لا أعرف ما الذي سأفعله غدا، هل يدفعني حنيني إلى عائلتي للذهاب جنوبا؟ أم هل أجد الشجاعة للبقاء هنا حتى تختلط عظامي بتراب غزة، ويمتزج لحمي بأرضها؟ تعد هذه الرسالة واحدة من الأصداء العميقة لمعاناة سكان غزة، الذين أجبرهم الاحتلال الإسرائيلي على ترك منازلهم تحت غطاء القصف الجوي والمدفعي الذي يهدف إلى تهجير السكان واحتلال المدينة.

على الرغم من صعوبة ومشقة النزوح، إلا أنه لا يعد سبيلاً مضمونا للنجاة، إذ أن ما يسميه الجيش الإسرائيلي “إجلاء المدنيين” هو مجرد مسار مليء بالمخاطر والموت. التقارير تشير إلى أن الغارات تتوالى على طوابير النازحين، كما شهدت وكالة “وطن” استشهاد خمسة أشخاص كانوا في سيارة تنقل نازحين، بالإضافة إلى استهداف مسجد وتهجير سكان أحياء الشجاعية والتفاح والشيخ رضوان.

يعرض التقرير قصة عائلة أخرى اضطرت ابنتهم وأطفالها للنزوح، حيث واجهوا صعوبة كبيرة في إيجاد وسيلة نقل وكافية من المال، مما عرضهم لمخاطر جمة. وفي تأتي مشهد الصراخ والخوف على الطريق، انطلقت العائلة مع جموع الهاربين، خائفة من أن تصيبهم غارة إسرائيلية في أية لحظة.

تروي هاس أيضًا قصة شابة من عائلة السموني، التي شهدت مجزرة في عام 2009، وتقول إن هذه هي المرة السابعة أو الثامنة التي تُهجّر فيها. تشهد الفتاة بأنها تحمل شظايا في رأسها من قصف سابق وتعاني من دوار وآلام مستمرة، ولكنها تؤكد أن هذه المرة هي الأصعب على الإطلاق.

مشاهد موجعة من معاناة الغزيين

جميع سكان غزة اليوم، سواء كانوا نازحين أو مصابين أو يبحثون عن قطعة أرض لتنصب خيمة، هم ناجون من قصف وحروب سابقة. نقلت فداء زياد، خريجة الأدب والنقد الأدبي، مشهداً مؤثراً لطفلين غزيين، فاطمة وحسين، يعملان على حماية متاع عائلتهما في الشارع بعد النزوح. وسعت فاطمة للأسف عن الأمان بينما يحاول حسين صرف انتباهها عن الأصوات المدوية للطائرات.

ووثّقت هاس أيضًا كلمات عبد الكريم عاشور، أحد سكان غزة، والذي قال إن الكلمات أصبحت عاجزة عن التعبير عما يحدث، حيث يصف أن الطريقة الوحيدة لفهم معاناتهم هو التواجد في غزة والاستماع إلى أصوات الطائرات ومواجهة الانفجارات.

تشير هاس إلى أن الفلسطينيين في غزة عاشوا كل أنواع الخوف تحت الاحتلال، ولكن اليوم أصبح الخوف أكبر من أن توصفه الكلمات. هذه المعاناة الحاضرة تضع غزة في قلب فاجعة لا يمكن تجاهلها، حيث يستمر السكان في مواجهة الظروف القاسية والبقاء على قيد الحياة.