أخبار لايت: نجوم ‘الفلَس’ وكيفية خلق الوهم في عصر المنصات – أخبار السعودية

مشاهير الفلس.. تأثير الوهم في عالم المنصات

لم يعد من المفاجئ أن تصبح الشهرة منتجًا رخيصًا يُمكن شراؤه بالمتابعات والإعجابات، تُنتَج في ثوانٍ عبر مقاطع مصورة قصيرة. لقد أنشأت منصات التواصل الاجتماعي نوعًا جديدًا من (النجوم) الذين يملؤون الفضاء الرقمي بصوتهم المرتفع، رغم افتقارهم إلى المواهب الحقيقية أو الإنجازات الجادة. هؤلاء هم مشاهير الفلس، الذين بزغ نجمهم في العالم الافتراضي ولكنهم بقيوا فارغين من الداخل، يقدمون (وجودًا مستعارًا) يرتكز على الاستعراض، وليس على القيمة الحقيقية.

تُعد هذه الظاهرة أكثر من مجرد (مرحلة ترفيهية) أو صيحة عابرة؛ إنها تعكس بنية ثقافية واجتماعية عميقة. نعيش اليوم في زمن يقدّس الصورة على حساب الجوهر، ويكرم من يستطيع جذب الانتباه بغض النظر عن إنتاج المعرفة أو الفن. لذا تحوّلت الشهرة من قيمة اجتماعية تُمنح للأشخاص المتميزين إلى “قشرة لامعة” يمكن لأي شخص الحصول عليها بمجرد فهمه لمفاتيح الخوارزميات.

صناعة نجوم الفلس

إذا نظرنا إلى مسيرة هؤلاء المشاهير، نجد أنها تعتمد على ثلاثة مكونات أساسية؛ الأولى هي الاستعراض المبالغ فيه، سواء كان ذلك يتعلق بإظهار الرفاهية المصطنعة أو المواقف الغريبة أو حتى المشكلات العائلية الخاصة. الثانية هي اللعب على عواطف الجمهور، عن طريق الإثارة والفضائح أو المحتوى الساخر الذي يجذب المتابعين بسرعة. أما الثالثة فهي تكرار المحتوى؛ فالمحتوى، مهما كان تافهًا، إذا تكرر بما يكفي يمكن أن يستقر في الذاكرة الجماعية.

كذلك، لا تميز المنصات الرقمية بين المحتوى العميق والتافه، بل تكافئ ما يُثير “التفاعل الفوري”. ولهذا، فإن الطريق إلى الشهرة مفتوح أمام أي شخص يُجيد الاستعراض أكثر من إبداع المحتوى.

أما السبب وراء متابعة الجمهور لهؤلاء المشاهير، فيعود إلى عدة عوامل: أولاً، يقدمون تسلية سهلة لا تتطلب جهدًا عقليًا، بل تُستهلك سريعًا وتُنسى بنفس السرعة. ثانيًا، يسدون فراغًا نفسيًا واجتماعيًا، إذ يجد المتابعون في قصصهم اليومية تعويضًا عن ملل حياتهم الخاصة. أخيرًا، هناك عصر المقارنة، حيث يقارن الأفراد أنفسهم بما يرونه على الشاشات، حتى وإن كان ذلك وهميًا.

لا تقتصر آثار هذه الظاهرة على الفرد بل تمتد إلى المجتمع، خاصةً الأجيال الصاعدة التي تُشكل وعيها من خلال هذه المنصات. تشمل الآثار، مشكلات في الذائقة العامة حيث يصبح معيار النجاح عدد المشاهدات بدلًا من نوعية المحتوى، وضعف الطموح الحقيقي عندما يرى الشباب أن الشهرة يمكن أن تُحقق دون جهد. كما تروج القيم الاستهلاكية السطحية التي تُقدّم الرفاهية كقيمة عليا، بينما يُخفي العمل الجاد وراء الكواليس.

قد يعزو البعض هذه الظاهرة إلى جوانب إيجابية، مثل تمكين الأفراد العاديين من التعبير عن أنفسهم وكسر احتكار الإعلام التقليدي. لكن الحقيقة تبقى أن معظم هذه الأصوات تُعزز من السطحية ولها قدرة ضئيلة على فتح أبواب الحوار.

نحتاج الآن إلى إعادة بناء الذائقة العامة عن طريق التعليم والإعلام والنقد الواعي، مع تشجيع المحتوى الجاد الذي يُجمع بين المتعة والمعرفة، وإحياء دور النقد الصحفي والثقافي للتفريق بين الظواهر الصحية وتلك السلبية، وتعليم الأجيال الحديثة مهارات التلقي الواعي لتكون قادرة على التمييز بين ما يستحق الاهتمام وما لا يستحق.