مدن الذاكرة
أرق يلامس الجسد كحرير، وجمال يدعو للعناق بعد سفرٍ طويل، لنجمع الحدائق بين كفينا ونعدو عكس اتجاه الأرض، ونفوس الناس المتجهة إلى المنحدرات بشغف ورغبة. أيتها الأجمل من عرق ريحان في الصباح، استمري في ولادة الماء والسحر والفرح. سأحضر لك الكلمات التي تفضلين، أزرعها في أحواض قرب صدرك الذي يضفي على الليل رشاقته وسكونه، فتخرج الجمل بسهولة وشفافية.
ذاكرة المدن
سنملأ حديقتنا بأشجار السرو والبرتقال ونغدق أغصانها بأطفال يشبهونك، يرثون من عينيك السحر وحب الحياة، ويقطعون شجر الكره ليزرعوا الورد بدلاً عن كل سيف يكسروه. لأجلكِ سيبعث الكون بالأخضر، ومن يديك تتجدد الصفات، ومن قلبي الذي تُخبزينه بالمحبة، سيعبر النسيان. ومن شفتيك سأراقب الأدعية وهي تتحول إلى خبز للجياع وألحفة للعابرين الذين ليس لهم أسماء، وتحوّل حبنا إلى غيوم خفيفة تتسلق السماء وتغمرها بالمطر رغم ثقوب الرصاص.
تعيش في صدرك مدن منسية، تلف أبناءها بذراع مبتورة وشفاه مشققة، مثقلة بالجثث التي كان ينبغي أن تُقتل دفعةً واحدة قبل أن تتردد الأمهات في فتح قبور أولادهن خشية قشعريرة البرد والحمى. تلك المدن تشغل عرش البكاء بين الجثث، مدّين يديها خارجاً تشدّ مواسم الفرح والأعياد لتعود خائبة، وتعودين إلى المرايا ببثور غير مبررة في وجهك وحزن طويل ثقيل لا تخفيه ألوان الشفاه أو الكحل الفاخر.
تُحب المدن الفتية التي في صدرك الرقص والشعر وقراءة الفناجين، وحقولها تثير شغف الطيور المهاجرة، وأشجارها تغني تاريخ الجمال ورائحة العبير. لكنها تبقى منسية في زمن أتى بالوحوش والقنابل والموت الفظيع، والفزاعات التي تروّع الفرح. سأحضر لك قلبي غداً، وأعفيك من المشقات والأحزان، نخزّنها في ظلال البيوت التي ستكتب لها الحروب النهاية قبل أن تختفي وتختنق وتموت. غداً، سأمتلك حزناً نظيفاً تركته في سلة الغسيل، أكمنه في جيب قميصي بعيداً عن عيني أمي، حيث تغسل ثيابنا على يديها. غداً، سأنشئ حزناً نقيّاً يخرج منه الحزن ضحكاً وابتسامات.
(2) دعت جديلتها إلى كفنها، كلما مشطت شعرها، سمعت صوتاً يضحك في ثيابه. (3) علمنا أبي أن نكون صادقين في زمنٍ يقتل الصادقين. (4) سأوقد لكَ قلبي، مناراتٍ وأشرعة تتبع الدرب، سأمنحك أصابعي حين تضعف في البحث عن الضوء، وأسحب الخوف من جلدك والوحدة من عينيك. لا تسأل عن أي غرفة أنت، ولا في أي طابق كنت، قبرك جاهز ونعشك كذلك، اتبعني إلى المقبرة. (5) القبر الذي سينقل غداً بآلة حفار، تحت شجرة محترقة كأنها نهاية الحرب، لا يزين شاهده ورد، ولا موضع كف، يقضي الليلة كما كل أمس، ينتظر زائر في الصباح.
تعليقات