تأثير زيادة حصص إنتاج النفط على الاقتصاد العراقي
تجذب أسواق النفط في العراق مرة أخرى الأنظار، حيث يعد أي تعديل في حصص الإنتاج فرصة لتخفيف الضغوط المالية التي تعاني منها الموازنة. في ظل عجز سنوي يتجاوز عشرات التريليونات من الدنانير وارتفاع تكاليف الرواتب والدعم الحكومي، تعتبر أي زيادة في الإيرادات النفطية بمثابة تنفس مؤقت يمكّن بغداد من الوفاء بالتزاماتها العاجلة.
انعكاسات زيادة الإنتاج على الوضع المالي
أوضح الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي في منشور له على منصة “فيسبوك”، أن “أوبك بلس” ستضيف 137 ألف برميل يومياً إلى إنتاجها اعتباراً من أكتوبر المقبل، مع زيادة حصة العراق بمقدار 17 ألف برميل يومياً ليصل إجمالي إنتاجه إلى 4 ملايين و137 ألف برميل يومياً. وهذه الزيادة قد تتمخض عنها بعض المكاسب القابلة لتخفيف العجز المتزايد.
الزيادة المعلن عنها جاءت عقب اجتماع افتراضي لعشر دول من “أوبك+”، بما في ذلك السعودية وروسيا والعراق والإمارات والكويت وكازاخستان والجزائر وسلطنة عمان. وقد أكد البيان المشترك على الالتزام باستقرار السوق في ظل انخفاض المخزونات والتوقعات الاقتصادية المتوازنة، مشيراً إلى أن تعديل الإنتاج يمثل خطوة نحو العودة التدريجية عن التخفيضات الطوعية التي بدأت في عام 2023. وقد علق المحللون بأن هذه الخطوة تعكس رغبة المجموعة في الحفاظ على توازن الأسعار دون التأثير السلبي على السوق.
ومع ذلك، يتبادر إلى الذهن السؤال الأكثر إلحاحاً للعراق: ما مدى تأثير هذه الزيادة المحدودة في الإنتاج على تقليص العجز المالي؟ يدعو المختصون إلى أن أي زيادة في الإيرادات قد تعطي العراق فرصة للتنفس لفترة قصيرة، ولكن يظل الأمر مشروطاً بثبات أسعار النفط في الأسواق العالمية وقدرة الحكومة على إدارة الموارد بشكل فعال بعيداً عن الهدر. ومع الاستمرار في الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للإيرادات، يبقى الاقتصاد في موقف vulnerable أمام أي تقلبات، مما يزيد من المخاوف من أن أي أزمة سعرية قد تتسبب في عبء مالي إضافي.
تسلط هذه الشواغل الضوء مجدداً على الانتقادات الموجهة لطبيعة الاقتصاد الريعي العراقي. فالأرباح الإضافية، رغم أهميتها، لا تمثل بالضرورة حلاً جوهرياً للمشكلات الهيكلية. يشير المحللون إلى أن الاعتماد الكبير على عوائد النفط يجعل الدولة عُرضة لتقلبات قرارات “أوبك+” وأسعار الأسواق العالمية، مما يترك التنمية الاقتصادية في قبضة الظروف الخارجية بدلاً من القوة الإنتاجية المحلية. وهذا يعيد إلى الأذهان التساؤلات حول ما إذا كانت الزيادة في الإنتاج كفيلة بأن تمنح العراق بعض الأوكسجين، أم أن المشكلة الحقيقية تكمن في غياب استراتيجية اقتصادية تأخذ بعين الاعتبار معالجة العجز الهيكلي بعيداً عن الإيرادات النفطية.
إلى جانب هذه المخاوف، تبرز أيضاً المخاطر الناجمة عن السياسة الدولية. فقد تواجه الشركات العراقية المصدرة للنفط، خاصة “سومو”، تحديات إضافية بعد أن فرضت الولايات المتحدة عقوبات على بعض رجال الأعمال العراقيين بتهمة خلط النفط الإيراني بالنفط العراقي وتهريبه. يحذر المختصون من أن أية عقوبات احتمالية قد تضعف المكاسب المترتبة على الزيادة المتوقعة في الإنتاج، مما يورط العراق في تعقيدات جديدة في الوصول إلى الأسواق العالمية.
بين زيادة طفيفة في الإنتاج، وضغوط مالية مستمرة، ومخاطر سياسية متزايدة، يبقى المشهد العراقي محاصراً بمفارقة معقدة: إيرادات إضافية قادرة على تقليص العجز لفترة قصيرة، ولكن دون أن تحل أزمة الاقتصاد الريعي الذي يعيد إنتاج أزماته مع كل دورة نفطية، في ظل نظام دولي يراقب عن كثب ويشدد الخناق على أي ثغرات في التهريب وخلط النفط.
تعليقات